تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ١٠٣
«إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان» وهم الذين انهزموا يوم أحد حسبما مرت حكايتهم «إنما استزلهم الشيطان» أي إنما كان سبب انهزامهم أن الشيطان طلب منهم الزلل «ببعض ما كسبوا» من الذنوب والمعاصي التي هي مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وترك المركز والحرص على الغنيمة أو الحياة فحرموا التأييد وقوة القلب وقيل استزلال الشيطان توليهم وذلك بذنوب تقدمت لهم فإن المعاصي يجر بعضها إلى بعض كالطاعة وقيل استزلهم بذنوب سبقت منهم وكرهوا القتل قبل إخلاص التوبة والخروج من المظلمة «ولقد عفا الله عنهم» لتوبتهم واعتذارهم «إن الله غفور» للذنوب «حليم» لا يعاجل بعقوبة المذنب ليتوب والجملة تعليل لما قبلها على سبيل التحقيق وفي إظهار الجلالة تربية للمهابة وتأكيد للتعليل «يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا» وهم المنافقون القائلون لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا ههنا وإنما ذكر في صدر الصلة كفرهم تصريحا بمباينة حالهم لحال المؤمنين وتنفيرا عن مماثلتهم أثر ذي أثير وقوله تعالى «وقالوا لإخوانهم» تعيين لوجه الشبه والمماثلة التي نهوا عنها أي قالوا لأجلهم وفي حقهم ومعنى أخوتهم اتفاقهم نسبا أو مذهبا «إذا ضربوا في الأرض» أي سافروا فيها وأبعدوا للتجارة أو غيرها وإيثار إذا المفيدة لمعنى الاستقبال على إذا المفيدة المعنى لحكاية الحال الماضية إذ المراد بها الزمان المستمر المنتظم للحال الذي عليه يدور أمر استحضار الصورة قال الزجاج إذا ههنا تنوب عما مضى من الزمان وما يستقبل يعنى أنها لمجرد الوقت أو يقصد بها الاستمرار وظرفيتها لقولهم إنما هي باعتبار ما وقع فيها بل التحقيق أنها ظرف له لا لقولهم كأنه قيل قالوا لأجل ما أصاب إخوانهم حين ضربوا الخ «أو كانوا» أي إخوانهم «غزى» جمع غاز كعفى جمع عاف قال * ومغبرة الآفاق خاشعة الصوى * لها قلب عفى الحياض أجون * وقرئ بتخفيف الزاي على حذف التاء من غزاة وإفراد كونهم غزاة بالذكر مع اندراجه تحت الضرب في الأرض لأنه المقصود بيانه في المقام وذكر الضرب في الأرض توطئة له وتقديمه لكثرة وقوعه على أنه قد يوجد بدون الضرب في الأرض إذ المراد به السفر البعيد وإنما لم يقل أو غزوا للإيذان باستمرار اتصافهم بعنوان كونهم غزاة أو بانقضاء ذلك أي كانوا غزاة فيما مضى وقوله تعالى «لو كانوا عندنا» أي مقيمين «ما ماتوا وما قتلوا» مفعول لقالوا ودليل على أن هناك مضمرا قد حذف ثقة به أي إذا ضربوا في الأرض فماتوا أو كانوا غزا فقتلوا وليس المقصود بالنهى عدم مماثلتهم في النطق بهذا القول بل في الاعتقاد بمضمونه والحكم بموجبه كما أنه المنكر على قائليه ألا يرى إلى قوله عز وجل «ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم» فإنه الذي جعل حسرة فيها قطعا وإليه أشير كما نقل عن الزجاج أنه إشارة إلى ظنهم أنهم لو لم يحضروا القتال لم يقتلوا وتعلقه بقالوا ليس باعتبار نطقهم بذلك القول بل باعتبار ما فيه من الحكم والاعتقاد واللام
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254