تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ١١٠
أصابكم يومئذ فهو كائن لتمييز الثابتين على الإيمان والذين أظهروا النفاق «وقيل لهم» عطف على نافقوا داخل معه في حيز الصلة أو كلام مبتدأ قال ابن عباس رضى الله عنهما هم عبد الله بن أبي وأصحابه حيث انصرفوا يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم عبد الله بن عمرو بن حرام أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم ودعاهم إلى القتال وذلك قوله تعالى «تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا» قال السدى ادفعوا عنا العدو بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا معنا وقيل أو ادفعوا عن أهلكم وبلدكم وحريمكم إن لم تقاتلوا في سبيل الله تعالى وترك العطف بين تعالوا وقاتلوا لما أن المقصود بهما واحد وهو الثاني وذكر الأول توطئة له وترغيب فيه لما فيه من الدلالة على التظاهر والتعاون «قالوا» استئناف وقع جوابا عن سؤال ينسحب عليه الكلام كأنه قيل فماذا صنعوا حين خيروا بين الخصلتين المذكورتين فقيل قالوا «لو نعلم قتالا لاتبعناكم» أي لو نحسن قتالا ونقدر عليه وإنما قالوه دغلا واستهزاء وإنما عبر عن نفى القدرة على القتال بنفي العلم به لما أن القدرة على الأفعال الاختيارية مستلزمة للعلم بها أو لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا لاتبعناكم ولكن ما أنتم بصدده ليس بقتال أصلا وإنما هو إلقاء النفس إلى التهلكة وفي جعلهم التالي مجرد الاتباع دون القتال الذي هو المقصود بالدعوة دليل على كمال تثبيطهم عن القتال حيث لا ترضي نفوسهم بجعله تاليا لمقدم مستحيل الوقوع «هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان» الضمير مبتدأ وأقرب خبره واللام في للكفر وللإيمان متعلقة به وكذا يومئذ ومنهم وعدم جواز تعلق حرفين متحدين لفظا ومعنى بعامل واحد بلا عطف أو بدلية إنما هو فيما عدا أفعل التفضيل من العوامل لاتحاد حيثية عملها وأما أفعل التفضيل فحيث دل على أصل الفعل وزيادته جرى مجرى عاملين كأنه قيل قربهم للكفر زائدة على قربهم للإيمان وقيل تعلق الجارين به لشبههما بالظرفين أي هم للكفر يوم إذ قالوا ما قالوا أقرب منهم للإيمان فإنهم كانوا قبل ذلك يتظاهرون بالإيمان وما ظهرت منهم أمارة مؤذنة بكفرهم فلما انخذلوا عن عسكر المسلمين وقالوا ما قالوا تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر وقيل هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان لأن تقليل سواد المسلمين بالانخذال تقوية للمشركين وقوله تعالى يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم جمله مستأنفه مقرره لمضمون ما قبلها وذكر الأفواه والقلوب تصوير لنفاقهم وتوضيح لمخالفه ظاهرهم لباطنهم وما عبارة عن القول والمراد به إما نفس الكلام الظاهر في اللسان وتارة وفي القلب أخرى فالمثبت والمنفى متحدان ذاتا وإن اختلفا مظهرا وإما القول الملفوظ فقط فالمنفى حينئذ منشؤه الذي لا ينفك عنه القول أصلا وإنما عبر عنه به إبانة لما بينهما من شدة الاتصال أي يتفوهون بقول لا وجود له أو لمنشئه في قلوبهم أصلا من الأباطيل التي من جملتها ما حكى عنهم آنفا فأنهم أظهروا فيه أمرين ليس في قلوبهم شئ منهما أحدهما عدم العلم بالقتال والآخر الاتباع على تقدير العلم به وقد كذبوا فيهما كذبا بينا حيث كانوا عالمين به غير ناوين للاتباع بل كانوا مصرين مع ذلك على الانخذال عازمين على الارتداد وقوله عز وجل «والله أعلم بما يكتمون» زيادة تحقيق لكفرهم ونفاقهم ببيان اشتغال قلوبهم بما يخالف أقوالهم من فنون الشر والفساد إثر بيان خلوها عما يوافقها وصيغة التفضيل لما أن بعض ما يكتمونه من أحكام النفاق وذم المؤمنين وتخطئة آرائهم والشماتة بهم وغير ذلك يعلمه المؤمنون على وجه الإجمال وأن تفاصيل ذلك
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254