بنون العظمة مع كون التلاوة على لسان جبريل عليه السلام لإبراز كمال العناية بالتلاوة وقرئ يتلوها على إسناد الفعل إلى ضميره تعالى وقوله تعالى «عليك» متعلق بنتلوها وقوله تعالى «بالحق» حال مؤكدة من فاعل نتلوها أو من مفعوله أي ملتبسين أو ملتبسة بالحق والعدل ليس في حكمها شائبة جور بنقص ثواب المحسن أو بزيادة عقاب المسئ أو بالعقاب من غير جرم بل كل ذلك موفى لهم حسب استحقاقهم بأعمالهم بموجب الوعد والوعيد وقوله تعالى «وما الله يريد ظلما للعالمين» تذييل مقرر لمضمون ما قبله على أبلغ وجه وآكده فإن تنكير الظلم وتوجيه النفي إلى إرادته بصيغة المضارع دون نفسه وتعليق الحكم بآحاد الجمع المعرف والالتفات إلى الاسم الجليل إشعارا بعلة الحكم بيان لكمال نزاهته عز وجل عن الظلم بما لا مزيد عليه أي ما يريد فردا من افراد الظلم لفرد من أفراد العالمين في وقت من الأوقات فضلا عن أن يظلمهم فإن المضارع كما يفيد الاستمرار في الإثبات يفيده في النفي بحسب المقام كما أن الجملة الاسمية تدل بمعونة المقام على دوام الثبوت وعند دخول حرف النفي تدل على دوام الانتفاء لا على انتفاء الدوام وفي سبك الجملة نوع إيماء إلى التعريض بأن الكفرة هم الظالمون ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد كما في قوله تعالى «إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون» «ولله ما في السماوات وما في الأرض» أي له تعالى وحده من غير شركة أصلا ما فيهما من المخلوقات الفائتة للحصر ملكا وخلقا إحياء وإماتة وإثابة وتعذيبا وإيراد كلمة ما أما لتغليب غير العقلاء على العقلاء وإما لتنزيلهم منزلة غيرهم إظهارا لحقارتهم في مقام بيان عظمته تعالى «وإلى الله» أي إلى حكمه وقضائه لا إلى غيره شركة أو استقلالا «ترجع الأمور» أي أمورهم فيجازى كلا منهم بما وعد له وأوعده من غير دخل في ذلك لأحد قط فالجملة مقررة لمضمون ما ورد في جزاء الفريقين وقيل هي معطوفة على ما قبلها مقررة لمضمونه فإن كون العالمين عبيده تعالى ومخلوقه ومرزوقه يستدعى إرادة الخير بهم «كنتم خير أمة» كلام مستأنف سيق لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الاتفاق على الحق والدعوة إلى الخير وكنتم من كان الناقصة التي تدل على تحقق شئ بصفة في الزمان الماضي من غير دلالة على عدم سابق أو لاحق كما في قوله تعالى «وكان الله غفورا رحيما» وقيل كنتم كذلك في علم الله أو في اللوح أو فيما بين الأمم السالفة وقيل معناه أنتم خير أمة «أخرجت للناس» صفة لأمة واللام متعلقة بأخرجت أي أظهرت لهم وقيل بخير أمة أي كنتم خير الناس فهو صريح في أن الخيرية بمعنى النفع للناس وإن فهم ذلك من الإخراج لهم أيضا أي أخرجت لأجلهم ومصلحتهم قال أبو هريرة رضي الله عنه معناه كنتم خير الناس تأتون بهم في السلاسل فتدخلونهم في الإسلام وقال قتادة هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم يؤمر نبي
(٧٠)