أنهم كانوا على خيل باق قال عروة بن الزبير كانت الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم وقال هشام بن عروة عمائم صفر وقال قتادة والضحاك وكانوا قد أعلموا بالعهن في نواصي الخيل وأذنابها روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه تسوموا فإن الملائكة قد تسومت وقرئ مسومين على البناء للمفعول ومعناه معلمين من جهته سبحانه وقيل مرسلين من التسويم بمعنى الإسامة «وما جعله الله» كلام مبتدأ غير داخل في حيز القول مسوق من جنابه تعالى لبيان ان الأسباب الظاهرة بمعزل من التأثير وإن حقيقة النصر مختص به عز وجل ليثق به المؤمنون ولا يقنطوا منه عند فقدان أسبابه وأماراته معطوف على فعل مقدر ينسحب عليه الكلام ويستدعيه النظام فإن الأخبار بوقوع النصر على الإطلاق وتذكير وقته وحكاية الوعد بوقوعه على وجه مخصوص هو الإمداد بالملائكة مرة بعد أخرى وتعيين وقته فيما مضى يقضي بوقوعه حينئذ قضاء قطعيا لكن لم يصرح به تعويلا على تعاضد الدلائل وتآخذ الإمارات والمخايل وإيذانا بكمال الغنى عنه بل احترازا عن شائبة التكرير أو عن إيهام احتمال الخلف في الوعد المحتوم كأنه قيل عقيب قوله تعالى «يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين» فأمدكم بهم «وما جعله الله» الخ والجعل متعد إلى واحد وهو الضمير العائد إلى مصدر ذلك الفعل المقدر وأما عودة إلى المصدر المذكور أعني قوله تعالى أن يمدكم أو إلى المصدر المدلول عليه بقوله تعالى يمددكم كما قيل فغير حقيق بجزالة التنزيل لأن الهيئة البسيطة متقدمة على المركبة فبيان العلة الغائبة لوجود الإمداد كما هو المراد بالنظم الكريم حقه ان يكون بعد بيان وجوده في نفسه ولا ريب في ان المصدر بن المذكورين غير معتبرين من حيث الوجود والوقوع كمصدر الفعل المقدر حتى يتصدى لبيان أحكام وجودهما بل الأول معتبر من حيث الكفاية والثاني من حيث الوعد على أن الأول هو الإمداد بثلاثة آلاف والواقع هو الإمداد بخمسة آلاف وقوله تعالى «إلا بشرى لكم» استثناء مفرغ من أعم العلل وتلوين الخطاب لتشريف المؤمنين وللإيذان بأنهم المحتاجون إلى البشارة وتسكين القلوب بتوفيق الأسباب الظاهرة وان رسول الله صلى الله عليه وسلم غني عنه بماله من التأييد الروحاني أي وما جعل إمدادكم بإنزال الملائكة عيانا لشيء من الأشياء إلا للبشرى لكم بأنكم تنصرون «ولتطمئن قلوبكم به» أي بالإمداد وتسكن إليه كما كانت السكينة لبني إسرائيل كذلك فكلاهما علة غائية للجعل وقد نصب الأول لاجتماع شرائطه من اتحاد الفاعل والزمان وكونه مصدرا مسوقا للتعليل وبقي الثاني على حاله لفقدانها وقيل للإشارة أيضا إلى أصالته في العلية وأهميته في نفسه كما في قوله تعالى «والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة» وفي قصر الإمداد عليهما إشعار بأن الملائكة عليهم السلام لم يباشروا يومئذ القتال وانما كان إمدادهم بتقوية قلوب المباشرين بتكثير السواد ونحوه كما هو رأي بعض السلف رضي الله عنه وقيل الجعل متعد إلى
(٨١)