تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ٧٥
«إن الذين كفروا» أي بما يجب أن يؤمن به قال ابن عباس رضي الله عنهما هم بنو قريظة والنضير فإن معاندتهم كانت لأجل المال وقيل هم مشركو قريش فإن ابا جهل كان كثير الافتخار بماله وقيل أبو سفيان وأصحابه فإنه انفق مالا كثيرا على الكفار يوم بدر واحد وقيل هم الكفار كافة فإنهم فاخروا بالأموال والأولاد حيث قالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين فرد الله عز وجل عليهم وقال «لن تغني عنهم» أي لن تدفع عنهم «أموالهم ولا أولادهم من الله» أي من عذابه تعالى «شيئا» أي شيئا يسيرا منه أو شيئا من الإغناء «وأولئك أصحاب النار» أي مصاحبوها على الدوام وملازموها «هم فيها خالدون» أبدا «مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا» بيان لكيفية عدم إغناء أموالهم التي كانوا يعولون عليها في جلب المنافع ودفع المضار ويعلقون بها أطماعهم الفارغة وما موصولة اسمية حذف عائدها أي حال ما ينفقه الكفرة قربة أو مفاخرة وسمعة أو المنافقون رياء وخوفا وقصته العجيبة التي مجرى المثل في الغرابة «كمثل ريح فيها صر» أي برد شديد فإنه في الأصل مصدر وإن شاع إطلاقه على الريح الباردة كالصر صر وقيل كلمة في تجريدية كما في قوله تعالى «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» «أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم» بالكفر والمعاصي فباءوا بغضب من الله وإنما وصفوا بذلك لأن الإهلاك عن سخط أشد وأفظع «فأهلكته» عقوبة لهم ولم تدع منه أثرا ولا عثيرا والمراد تشبيه ما أنفقوا في ضياعه وذهابه بالكلية من غير أن يعود إليهم نفع ما بحرث كفار ضربته صر فاستأصلته ولم يبق لهم فيه منفعة ما بوجه من الوجوه وهو من التشبيه المركب الذي مر تفصيله في تفسير قوله تعالى «كمثل الذي استوقد نارا» ولذلك لم يبال بإيلاء كلمة التشبيه الريح دون الحرث ويجوز أن يراد مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح أو مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح وهو الحرث وقرئ تنفقون «وما ظلمهم الله» بما بين من ضياع ما أنفقوا من الأموال «ولكن أنفسهم يظلمون» لما أنهم أضاعوها بإنفاقها لا على ما ينبغي وتقديم المفعول لرعاية الفواصل لا للتخصيص إذ الكلام في الفعل باعتبار تعلقه بالفاعل لا بالمفعول أي ما ظلمهم الله ولكن ظلموا أنفسهم وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار وقد جوز ان يكون المعنى وما ظلم الله تعالى أصحاب الحرث بإهلاكه ولكنهم ظلموا أنفسهم بارتكاب ما استحقوا به العقوبة ويأباه أنه قد مر التعرض له تصريحا وإشعارا وقرئ ولكن بالتشديد على أن أنفسهم اسمها ويظلمون خبرها والعائد محذوف للفاصلة أي ولكن أنفسهم يظلمونها وأما تقدير ضمير الشأن فلا سبيل إليه لاختصاصه بالشعر ضرورة كما في قوله * ولكن من يبصر جفونك يعشق *
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254