تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ٦٧
ملتبسين حال كونكم إخوانا «وكنتم على شفا حفرة من النار» شفا الحفرة وشفتها حرفها أي كنتم مشرفين على الوقوع في نار جهنم لكفرهم إذ لم أدرككم الموت على تلك الحالة لوقعتهم فيها «فأنقذكم» بأن هداكم للإسلام «منها» الضمير للحفرة أو للنار أو للشفا والتأنيث للمضاف إليه كما في قوله * كما شرقت صدر القناة من الدم * أو لأنه بمعنى الشفة فإن شفا البئر وشفتها جانبها كالجانب وأصله شفو قلبت الواو ألفا في المذكر وحذفت في المؤنث «كذلك» إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده وما فيه من معني البعد بعلو درجة المشار اليه وبعد منزلته في الفضل وكمال تميزه به عما عداه وانتظامه بسببه في سلك الأمور المشاهدة والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة ومحلها النصب على أنها صفة لمصدر محذوف أي مثل ذلك التبيين الواضح «يبين الله لكم آياته» أي دلائله «لعلكم تهتدون» طلبا لثباتكم على الهدى وازديادكم فيه «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير» أمرهم الله سبحانه بتكميل الغير وإرشاده إثر أمرهم بتكميل النفس وتهذيبها بما قبله من الأوامر والنواهي تثبيتا للكل على مراعاة ما فيها من الأحكام بان يقوم بعضهم بمواجبها ويحافظ على حقوقها وحدودها ويذكرها الناس كافة ويردعهم عن الإخلال بها والجمهور على إسكان لام الأمر وقرئ بكسرها على الأصل وهو من كان التامة ومن تبعيضية متعلقة بالأمر أو بمحذوف وقع حالا من الفاعل وهو أمة ويدعون صفتها اى لتوجد منكم أمة داعية إلى الخير والأمة هي الجماعة التي يؤمها فرق الناس اى يقصدنها ويقتدون بها أو من الناقصة وأمة اسمها ويدعون خبرها أي لتكن منكم أمة داعين إلى الخير وأيا ما كان فتوجيه الخطاب إلى الكل مع إسناد الدعوة إلى البعض لتحقيق معنى فرضيتها على الكفاية وانها واجبة على الكل لكن بحيث إن أقامها البعض سقطت عن الباقين ولو أخل بها الكل أثموا جميعا لا بحيث يتحتم على الكل إقامتها على ما ينبئ عنه قوله عز وجل وما كان المؤمنون لينفروا كافة الآية ولأنها من عظائم الأمور وعزائمها التي لا يتولاها إلا العلماء باحكامه تعالى ومراتب الاحتساب وكيفية إقامتها فإن من لا يعلمها يوشك أن يأمر بمنكر وينهى عن معروف ويغلظ في مقام اللين ويلين في مقام الغلظة وينكر على من لا يزيده الإنكار إلا التمادي والإصرار وقيل من بيانية كما في قوله تعالى «وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم» الآية والأمر من كان الناقصة والمعنى كونوا أمة يدعون الآية كقوله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس» الآية ولا يقتضى ذلك كون الدعوة فرض عين فإن الجهاد من فروض الكفاية مع ثبوته بالخطابات العامة والدعاء إلى الخير عبارة عن الدعاء إلى ما فيه صلاح ديني أو دنيوي فعطف الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عليه بقوله تعالى «ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» مع اندراجهما فيه من باب عطف الخاص على العام لإظهار فضلهما وإنافتهما على سائر الخيرات كعطف جبريل وميكال على الملائكة عليهم السلام وحذف المفعول الصريح من الأفعال الثلاثة إما للإيذان بظهوره أي يدعون الناس ويأمرونهم وينهونهم
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254