ملتبسين حال كونكم إخوانا «وكنتم على شفا حفرة من النار» شفا الحفرة وشفتها حرفها أي كنتم مشرفين على الوقوع في نار جهنم لكفرهم إذ لم أدرككم الموت على تلك الحالة لوقعتهم فيها «فأنقذكم» بأن هداكم للإسلام «منها» الضمير للحفرة أو للنار أو للشفا والتأنيث للمضاف إليه كما في قوله * كما شرقت صدر القناة من الدم * أو لأنه بمعنى الشفة فإن شفا البئر وشفتها جانبها كالجانب وأصله شفو قلبت الواو ألفا في المذكر وحذفت في المؤنث «كذلك» إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده وما فيه من معني البعد بعلو درجة المشار اليه وبعد منزلته في الفضل وكمال تميزه به عما عداه وانتظامه بسببه في سلك الأمور المشاهدة والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة ومحلها النصب على أنها صفة لمصدر محذوف أي مثل ذلك التبيين الواضح «يبين الله لكم آياته» أي دلائله «لعلكم تهتدون» طلبا لثباتكم على الهدى وازديادكم فيه «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير» أمرهم الله سبحانه بتكميل الغير وإرشاده إثر أمرهم بتكميل النفس وتهذيبها بما قبله من الأوامر والنواهي تثبيتا للكل على مراعاة ما فيها من الأحكام بان يقوم بعضهم بمواجبها ويحافظ على حقوقها وحدودها ويذكرها الناس كافة ويردعهم عن الإخلال بها والجمهور على إسكان لام الأمر وقرئ بكسرها على الأصل وهو من كان التامة ومن تبعيضية متعلقة بالأمر أو بمحذوف وقع حالا من الفاعل وهو أمة ويدعون صفتها اى لتوجد منكم أمة داعية إلى الخير والأمة هي الجماعة التي يؤمها فرق الناس اى يقصدنها ويقتدون بها أو من الناقصة وأمة اسمها ويدعون خبرها أي لتكن منكم أمة داعين إلى الخير وأيا ما كان فتوجيه الخطاب إلى الكل مع إسناد الدعوة إلى البعض لتحقيق معنى فرضيتها على الكفاية وانها واجبة على الكل لكن بحيث إن أقامها البعض سقطت عن الباقين ولو أخل بها الكل أثموا جميعا لا بحيث يتحتم على الكل إقامتها على ما ينبئ عنه قوله عز وجل وما كان المؤمنون لينفروا كافة الآية ولأنها من عظائم الأمور وعزائمها التي لا يتولاها إلا العلماء باحكامه تعالى ومراتب الاحتساب وكيفية إقامتها فإن من لا يعلمها يوشك أن يأمر بمنكر وينهى عن معروف ويغلظ في مقام اللين ويلين في مقام الغلظة وينكر على من لا يزيده الإنكار إلا التمادي والإصرار وقيل من بيانية كما في قوله تعالى «وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم» الآية والأمر من كان الناقصة والمعنى كونوا أمة يدعون الآية كقوله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس» الآية ولا يقتضى ذلك كون الدعوة فرض عين فإن الجهاد من فروض الكفاية مع ثبوته بالخطابات العامة والدعاء إلى الخير عبارة عن الدعاء إلى ما فيه صلاح ديني أو دنيوي فعطف الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عليه بقوله تعالى «ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» مع اندراجهما فيه من باب عطف الخاص على العام لإظهار فضلهما وإنافتهما على سائر الخيرات كعطف جبريل وميكال على الملائكة عليهم السلام وحذف المفعول الصريح من الأفعال الثلاثة إما للإيذان بظهوره أي يدعون الناس ويأمرونهم وينهونهم
(٦٧)