وأمه والظرف إما حال أي كائنا من ربك أو خبر ثان أي كائن منه تعالى وقيل هما مبتدأ وخبر أي الحق المذكور من الله تعالى والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطب لتشريفه عليه الصلاة والسلام والإيذان بأن تنزيل هذه الآيات الحقة الناطقة بكنه الأمر تربية له عليه الصلاة والسلام ولطف به «فلا تكن من الممترين» في ذلك والخطاب إما للنبي صلى الله عليه وسلم على طريقة الإلهاب والتهييج لزيادة التثبيت والأشعار بأن الإمتراء في المحذورية بحيث ينبغي أن ينهى عنه من لا يكاد يمكن صدوره عنه فكيف بمن هو بصدد الامتراء وإما لكل من له صلاحية الخطاب «فمن حاجك» أي من النصارى إذ هم المتصدون للمحاجة «فيه» أي في شأن عيسى عليه السلام وأمه زعما منهم أنه ليس على الشأن المحكى «من بعد ما جاءك من العلم» أي ما يوجبه إيجابا قطعيا من الآيات البينات وسعوا ذلك منك فلم يرعوو أعماهم عليه من الغى والضلال «فقل» لهم «تعالوا» أي هلموا بالرأي والعزيمة «ندع أبناءنا وأبناءكم» اكتفى بهم عن ذكر البنات لظهور كونهم أعز منهن وأما النساء فتعلقهن من جهة أخرى «ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم» أي ليدع كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله وألصقهم بقلبه إلى المباهلة ويحملهم عليها وتقديمهم على النفس في إثناء المباهلة التي هي من باب المهالك ومضان التلف مع أن الرجل يخاطر لهم بنفسه ويحارب دونهم للإيذان بكمال أمنه عليه الصلاة والسلام وتمام ثقته بأمره وقوة يقينه بأنه لن يصيبهم في ذلك شائبة مكروه أصلا وهو السر في تقديم جانبه عليه السلام على جانب المخاطبين في كل من المقدم والمؤخر مع رعاية الأصل في الصيغة فإن غير المتكلم تبع «ثم نبتهل» أي نتباهل بأن نلعن الكاذب منا والبهلة بالضم والفتح اللعنة وأصلها الترك له في الإسناد من قولهم بهلت الناقة أي تركتها بلاصرار «فنجعل لعنة الله على الكاذبين» عطف على نبتهل مبين لمعناه روى أنهم لما دعوا إلى المباهلة قالوا حتى نرجع وننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم يا عبد المسيح ما ترى فقال والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكن فإن أبيتم إلا ألف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضنا الحسين أخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلى خلفها رضي الله عنهم أجمعين وهو يقول إذا أنا دعوت فأمنوا فقال أسقف نجران يا معشر النصارى إني لأري وجوها لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يقي على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة فقالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا قال صلى الله عليه وسلم فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين فأبوا قال عليه الصلاة والسلام فإني أناجزكم فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة
(٤٦)