أهل الكتاب لو يضلونكم) نزلت في اليهود حين دعوا حذيفة وعمارا ومعادا إلى اليهودية ولو بمعنى أن «وما يضلون إلا أنفسهم» جملة حالية جيء بها للدلالة على كمال رسوخ المخاطبين وثباتهم على ما هم عليه من الدين القويم أي وما يتخطاهم الإضلال ولا يعود وباله إلا إليهم لما أنه يضاعف به عذابهم وقيل وما يضلون إلا أمثالهم ويأباه قوله تعالى «وما يشعرون» أي باختصاص وباله وضرره بهم «يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله» أي بما نطقت به التوراة والإنجيل ودلت على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم «وأنتم تشهدون» أي والحال أنكم تشهدون أنها آيات الله أو بالقرآن وأنتم تشهدون نعته في الكتابين أو تعلمون بالمعجزات انه حق «يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل» بتحريفكم وإبراز الباطل في صورته أو بالتقصير في التمييز بينهما وقرئ تلبسون بالتشديد وتلبسون نفتح الباء أي تلبسون الحق مع الباطل كما في قوله عليه السلام كلابس ثوبي زور «وتكتمون الحق» أي نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته «وأنتم تعلمون» أي حقيته «وقالت طائفة من أهل الكتاب» وهم رؤساؤهم ومفسدون لأعقابهم «آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا» أي أظهروا الإيمان بالقرآن المنزل عليهم «وجه النهار» أي أوله «واكفروا» أي أظهروا ما أنتم عليه من الكفر به «آخره» مرائين لهم إنكم آمنتم به بادئ الرأي من غير تأمل ثم تأملتم فيه فوقفتم على خلل رأيكم الأول فرجعتم عنه «لعلهم» أي المؤمنين «يرجعون» عما هم عليه من الإيمان به كما رجعتم والمراد بالطائفة كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف قالا لأصحابهما لما حولت القبلة آمنوا بما أنزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة وصلوا إليها أول النهار ثم صلوا إلى الصخرة آخره لعلهم يقولون هم أعلم منا وقد رجعوا فيرجعون وقيل هم إثنا عشر رجلا من أحبار خيبر تقاولوا بأن يدخلوا في الإسلام أول النهار ويقولوا آخره نظرنا في كتابنا وشاورنا علماءنا فلم نجد محمدا بالنعت الذي ورد في التوراة لعل أصحابه يشكون فيه «ولا تؤمنوا» أي لا تقروا بتصديق قلبي «إلا لمن تبع دينكم» أي لأهل دينكم أولا تظهروا إيمانكم وجه النهار إلا لمن كان على دينكم من قبل فإن رجوعهم أرجى وأهم «قل إن الهدى هدى الله» يهدي به من يشاء إلى الإيمان ويثبته عليه «أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم» متعلق بمحذوف أي
(٤٩)