الروحانية بالتكاليف الشرعية المتعلقة بحال كبرها قيل كلموها شفاها كرامة لها أو إرهاصا لنبوة عيسى عليه الصلاة والسلام لمكان الاجماع على أنه تعالى لم يستنئ امرأة وقيل ألهموها «إن الله اصطفاك» أولا حيث تقبلك من أمك بقبول حسن ولم يتقبل غيرك أنثى ورباك في حجر زكريا عليه السلام ورزقك من رزق الجنة وخصك بالكرامات السنية «وطهرك» أي مما يستقذر من الأحوال والأفعال ومما قذفك به اليهود بإنطاق الطفل «واصطفاك» آخرا «على نساء العالمين» بأن وهب لك عيسى عليه الصلاة والسلام من غير أب ولم يكن ذلك لأحد من النساء وجعلكما آية للعالمين فعلى هذا ينبغي أن يكون تقديم حكاية هذه المقاولة على حكاية بشارتها بعيسى عليه الصلاة والسلام لما مر مرارا من التنبيه على أن كلا منهما مستحق للاستقلال بالتذكير ولو روعى الترتيب الخارجي لتبادر كون الكل شيئا واحدا وقيل المراد بالاصطفاءين واحد والتكرير للتأكيد وتبيين من اصطفاها عليهن فحينئذ لا اشكال في ترتيب النظم الكريم إذ يحمل حينئذ الاصطفاء على ما ذكر أولا وتجعل هذه المقاولة قبل بشارتها بعيسى عليه الصلاة والسلام إيذانا بكونها قبل ذلك متوفرة على الطاعات والعبادات حسبما أمرت بها مجتهدة فيها مقبلة على الله تعالى متبتلة اليه تعالى منسلخة عن احكام البشرية مستعدة لفيضان الروح عليها «يا مريم» تكرير النداء للإيذان بأن المقصود بالخطاب ما يرد بعده وأن ما قبله من تذكير النعم كان تمهيدا لذكره وترغيبا في العمل بموجبه «اقنتي لربك» أي قومي في الصلاة أو أطيلي القيام فيها له تعالى والتعرض لعنوان ربوبيته تعالى لها للإشعار بعلة وجوب الامتثال بالأمر «واسجدي واركعي مع الراكعين» أمرت بالصلاة بالجماعة بذكر أركانها مبالغة في ايجاب رعايتها وإيذانا بفضيلة كل منها وإصالته وتقديم السجود على الركوع اما لكون الترتيب في شريعتهم كذلك واما لكون السجود أفضل أركان الصلاة وأقصى مراتب الخضوع ولا يقتضي ذلك كون الترتيب الخارجي كذلك بل اللائق به الترقي من الأدنى إلى الاعلى واما ليقترن اركعي بالراكعين للإشعار بأن من لا ركوع في صلاتهم ليسوا مصلين واما ما قيل من أن الواو لا توجب الترتيب فغايته التصحيح لا الترجيح وتجريد الامر بالركنين الأخيرين عما قيد به الأول لما أن المراد تقييد الأمر بالصلاة بذلك وقد فعل حيث قيد به الركن الأول منها وقيل المراد بالقنوت إدامة الطاعات كما في قوله تعالى أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما وبالسجود الصلاة لما مر من أنه أفضل أركانها وبالركوع الخشوع والاخبات قيل لما أمرت بذلك قامت في الصلاة حتى ورمت قدماها وسالت دما وقيحا «ذلك» إشارة إلى ما سلف من الأمور البديعة وما فيه من معنى البعد للتنبيه على علو شأن المشار اليه وبعد منزلته في الفضل وهو مبتدأ خبره قوله تعالى «من أنباء الغيب» أي من الأنباء المتعلقة بالغيب
(٣٥)