تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ٥٧
عدم توبتهم بعدم قبولها تغليظا في شأنهم وإبرازا لحالهم في صورة حال الآيسين من الرحمة أو لأن توبتهم لا تكون إلا نفاقا لارتدادهم وازديادهم كفرا ولذلك لم تدخل فيه الفاء «وأولئك هم الضالون» الثابتون على الضلال «إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به» لما كان الموت على الكفر سببا لامتناع قبول الفدية زيدت الفاء ههنا للإشعار به وملء الشئ ما يملأ به وذهبا تمييز وقرئ بالرفع على أنه بدل من ملء أو خبر لمحذوف ولو افتدى محمول على المعنى كأنه قيل فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا أو معطوف على مضمر تقديره فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو تصدق به في الدنيا ولو افتدى به من العذاب في الآخرة أو المراد ولو افتدى بمثله كقوله تعالى «ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه» والمثل يحذف ويراد كثيرا لأن المثلين في حكم شئ واحد «أولئك» إشارة إلى المذكورين باعتبار اتصافهم بالصفات الشنيعة المذكورة «لهم عذاب أليم» مؤلم اسم الإشارة مبتدأ والظرف خبره ولاعتماده على المبتدأ ارتفع به عذاب أليم على الفاعلية «وما لهم من ناصرين» في دفع العذاب عنهم أو في تخفيفه ومن مزيدة للاستغراق وصيغة الجمع لمراعاة الضمير أي ليس لواحد منهم ناصر واحد «لن تنالوا البر» من ناله نيلا إذا أصابه والخطاب للمؤمنين وهو كلام مستأنف سيق لبيان ما ينفع المؤمنين ويقبل منهم إثر بيان مالا ينفع الكفرة ولا يقبل منهم أي لن تبلغوا حقيقة البر الذي يتنافس فيه المتنافسون ولن تدركوا شأوه ولن تلحقوا بزمرة الأبرار أو لن تنالوا بر الله تعالى وهو ثوابه ورحمته ورضاه وجنته «حتى تنفقوا» أي في سبيل الله عز وجل رغبة فيما عنده ومن في قوله تعالى «مما تحبون» تبعيضية ويؤيده قراءة من قرأ بعض ما تحبون وقيل بيانية وما موصوله أو موصوفة أي مما تهوون ويعجبكم من كرائم أموالكم وأحبها إليكم كما في قوله تعالى أنفقوا من طيبات ما كسبتم أو مما يعمها وغيرها من الأعمال والمهجة على ان المراد بالإنفاق مطلق البذل وفيه من الإيذان بعزة منال البر مالا يخفى وكان السلف رضي الله عنهم إذا أحبوا شيئا جعلوه لله عز وجل وروى أنها لما نزلت جاء أبو طلحة فقال يا رسول الله أن أحب أموالي إلى بير حاء فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال عليه السلام بخ بخ ذاك مال رايح أو رابح وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقسمها في أقاربه وجاء زيد بن حارثة بفرس له كان يحبها فقال هذه في سبيل الله فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد فكأن زيدا وجد في نفسه وقال إنما أردت أن أتصدق به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إن الله تعالى قد قبلها منك قيل وفيه دلالة على أن انفاق أحب الأموال على أقرب الأقارب أفضل وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري أن يشتري له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى فلما جاءت اليه أعجبته
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254