الولي فقيرا «أنه» أي الاكل المفهوم من النهي «كان حوبا» أي ذنبا عظيما وقرئ بفتح الحاء وهو مصدر حاب حوبا وقرئ حابا وهو أيضا مصدر كقال قولا وقالا «كبيرا» مبالغة في بيان عظم ذنب الاكل المذكور كأنه قيل من كبار الذنوب العظيمة لا من إفنائها «وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى» الإقساط العدل وقرئ بفتح التاء فقيل هو من قسط أي جار ولا مزيدة كما في قوله تعالى لئلا يعلم وقيل هو بمعنى أقسط فإن الزجاج حكى أن قسط يستعمل استعمال أقسط والمراد بالخوف العلم كما في قوله تعالى «فمن خاف من موص جنفا» عبر عنه بذلك ايذانا بكون المعلوم مخوفا محذورا لا معناه الحقيقي لأن الذي علق به الجواب هو العلم بوقوع الجور المخوف لا الخوف منه والا لم يكن الأمر شاملا لمن يصر على الجور ولا يخافه وهذا شروع في النهي عن منكر آخر كانوا يباشرونه متعلق بأنفس اليتامى اصالة وبأموالهم تبعا عقيب النهى عما يتعلق بأموالهم خاصة وتأخيره عنه لقلة وقوع المنهي عنه بالنسبة إلى الأول ونزوله منه بمنزلة المركب من المفرد وذلك أنهم كانوا يتزوجون من تحل لهم من اليتامى اللاتي يلونهن لكن لا لرغبة فيهن بل في مالهن ويسيئون في الصحبة والمعاشرة ويتربصون بهن ان يمتن فيرثوهن وهذا قول الحسن وقيل هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها ويريد أن ينكحها بأدنى من سنة نسائها فنهوا أن ينكحوهن الا أن يقسطوا لهن في اكمال الصداق وأمروا ان ينحكوا ما سواهن من النساء وهذا قول الزهري رواية عن عروة عن عائشة رضي الله عنها واما اعتبار اجتماع عدد كثير منهن كما أطبق عليه أكثر أهل التفسير حيث قالوا كان الرجل يجد اليتيمة لها مال وجمال ويكون وليها فيتزوجها ضنا بها عن غيره فربما اجتمعت عنده عشر منهن الخ فلا يساعده الأمر بنكاح غيرهن فإن المحذور حينئذ يندفع بتقليل عددهن وان خفتم ألا تعدلوا في حق اليتامى إذا تزوجتم بهن بإساءة العشرة أو بنقص الصداق «فانكحوا ما طاب لكم» ما موصولة أو موصوفة ما بعدها صلتها أو صفتها أو أوثرت على من ذهابا إلى الوصف وايذانا بأنه المقصود بالذات والغالب في الاعتبار لا بناء على ان الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء لإخلاله بمقام الترغيب فيهن وقرأ ابن أبي عبلة من طاب ومن في قوله تعالى «من النساء» بيانية وقيل تبعيضية والمراد بهن غير اليتامى بشهادة قرينة المقام أي فانكحوا من استطابتها نفوسكم من الأجنبيات وفي ايثار الأمر بنكاحهن على النهي عن نكاح اليتامى مع أنه المقصود بالذات مزيد لطف في استنزالهم عن ذلك فإن النفس مجبولة على الحرص على ما منعت منه كما ان وصف النساء بالطيب على الوجه الذي أشير اليه فيه مبالغة في الاستمالة إليهن والترغيب فيهن وكل ذلك للاعتناء بصرفهم عن نكاح اليتامى وهو السر في توجيه النهي الضمني إلى النكاح المترقب مع ان سبب النزول هو النكاح المحقق لما فيه من المسارعة إلى دفع الشر قبل وقوعه
(١٤١)