تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ١١٩
وإما مزيدة للتأكيد ناصبة للفعل بنفسها كما هو رأى الكوفية ولا يقدح في ذلك زيادتها كما لا يقدح زيادة حروف الجر في عملها وقوله عز وجل «حتى يميز الخبيث من الطيب» غاية لما يفيده النفي المذكور كأنه قيل ما يتركهم الله تعالى على ذلك الاختلاط بل يقدر الأمور ويرتب الأسباب حتى يعزل المنافق من المؤمن وفي التعبير عنهما بما ورد به النظم الكريم تسجيل على كل منهما بما يليق به وإشعار بعلة الحكم وإفراد الخبيث والطيب مع تعدد ما أريد بكل منهما وتكثره لا سيما بعد ذكر ما أريد بأحدهما أعنى المؤمنين بصيغة الجمع للإيذان بأن مدار إفراز أحد الفريقين من الآخر هو اتصافهما بوصفهما لا خصوصية ذاتهما وتعدد آحادهما كما في مثل قوله تعالى «ذلك أدنى ألا تعولوا» ونظيره قوله تعالى «تذهل كل مرضعة عما أرضعت» حيث قصد الدلالة على الاتصاف بالوصف من غير تعرض لكون الموصوف من العقلاء أو غيرهم وتعليق الميز بالخبيث المعبر به عن المنافق مع أن المتبادر مما سبق من عدم ترك المؤمنين على الاختلاط تعليقه بهم وإفرازهم عن المنافقين لما أن الميز الواقع بين الفريقين إنما بالتصرف في المنافقين وتغييرهم من حال إلى حال مغايرة للأولى مع بقاء المؤمنين على ما كانوا عليه من أصل الإيمان وإن ظهر مزيد إخلاصهم لا بالتصرف فيهم وتغييرهم من حال إلى حال أخرى مع بقاء المنافقين على ما هم عليه من الاستتار ولأن فيه مزيد تأكيد للوعيد كما أشير إليه في قوله تعالى «والله يعلم المفسد من المصلح» وإنما لم ينسب عدم الترك إليهم لما أنه مشعر بالاعتناء بشأن من نسب إليه فإن المتبادر منه عدم الترك على حالة غير ملائمة كما يشهد به الذوق السليم وقرئ حتى يميز من التمييز وقوله تعالى «وما كان الله ليطلعكم على الغيب» تمهيد لبيان الميز الموعود على طريق تجريد الخطاب للمخلصين تشريفا لهم وقوله عز وجل «ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء» إشارة إلى كيفية وقوعه على سبيل الإجمال وإظهار الاسم الجليل في الموضعين لتربية المهابة فالمعنى ما كان الله ليترك المخلصين على الاختلاط بالمنافقين بل يرتب المبادئ حتى يخرج المنافقين من بينهم وما يفعل ذلك بإطلاعكم على ما في قلوبهم من الكفر والنفاق ولكنه تعالى يوحي إلى رسوله عليه السلام فيخبره بذلك وبما ظهر منهم من الأقوال والأفعال حسبما حكى عنهم بعضه فيما سلف فيفضحهم على رؤوس الإشهاد ويخلصكم من خسة الشركاء وسوء جوارهم والتعرض للاجتباء للإيذان بأن الوقوف على أمثال تلك الأسرار الغيبية لا يتأتي إلى ممن رشحه الله تعالى لمنصب جليل تقاصرت عنه همم الأمم واصطفاه على الجماهير لإرشادهم وتعميم الاجتباء لسائر الرسل عليهم السلام للدلالة على أن شأنه عليه السلام في هذا الباب أمر متين له أصل أصيل جار على سنة الله تعالى المسلوكة فيما بين الرسل الخالية عليهم السلام وتعميم الأمر في قوله تعالى «فآمنوا بالله ورسله» مع أن سوق النظم الكريم للإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم لإيجاب الإيمان به بالطريق البرهاني والإشعار بأن ذلك مستلزم للإيمان بالكل لأنه مصدق لما بين يديه من الرسل وهم شهداء بصحة نبوته عليه الصلاة والسلام والمأمور به الإيمان بكل ما جاء به عليه الصلاة والسلام فيدخل فيه تصديقه عليه السلام فيما أخبر به من أحوال المنافقين دخولا أوليا هذا هو الذي يقتضيه جزالة النظم الكريم وقد جوز أن يكون المعنى لا يترككم مختلطين حتى يميز الخبيث من الطيب بان يكلفكم التكاليف الصعبة التي لا يصبر عليها إلا الخلص الذين امتحن الله تعالى قلوبهم كبذل الأرواح في الجهاد وإنفاق الأموال في سبيل الله تعالى
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254