(1) ذهب الحنفية والمالكية إلى أن حد الخمر ثمانون، وهو مذهب إسحاق، و الأوزاعي، والثوري، و غيرهم، و إحدى الروايتين عن أحمد، و أحد قولي الشافعي، و اختاره ابن المنذر.
و ذهب الشافعي (في أصح مذهبه) إلى أن قدرها أربعون، وهو مذهب الظاهرية، و أبي ثور، و إحدى الروايتين عن أحمد، قال الشافعي: و للإمام أن يبلغ به ثمانين، و تكون الزيادة على الأربعين تعزيرات على تسببه في إزالة عقله، و في تعرضه للقذف و القتل و أنواع الإيذاء، و ترك الصلاة و غير ذلك.
و احتج الأولون بما رواه أحمد و مسلم و أبو داود و الترمذي و صححه عن أنس أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم " أتي برجل قد شرب الخمر، فجلد بجريدتين نحو أربعين. و فعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانين. فأمر به عمر ".
و بما رواه أحمد عن أبي سعيد قال: جلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخمر بنعلين أربعين، فلما كان زمن عمر جعل بدل كل نعل سوطا.
وجه الدلالة: أن شارب الخمر كان يجلد بين يدي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ثمانين، لأنه كان يضرب بالجريدتين أو بالنعلين مجتمعين أربعين، فتكون الجملة الحاصلة ثمانين، لأن كل ضربة ضربتان. و إن كانت الرواية الأولى محتملة، لقوله: " فجلد بجريدتين نحو أربعين " إلا أن الثانية جازمة، بأن الضرب بنعلين أربعين، و لذا استشار عمر الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين) فرأوا أن الجلد في الخمر ثمانون سوطا بدل الضرب بالنعال و نحوها.
و روى الإمام مالك (رضي الله عنه) عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب: " نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، و إذا سكر هذى، و إذا هذى افترى. أو كما قال. فجلد عمر في الخمر ثمانين ".
وجه الدلالة: أن عمر (رضي الله عنه) استشار الصحابة في عقوبة شرب الخمر، فأشار عليه علي بأنها ثمانون، فوافقه عمر عليها، و عمل بها، فدل ذلك على أنها ثمانون، و لم يعلم له مخالف.
و أما المعقول فقالوا: إن هذا حد في معصيته، فلم يكن أقل من ثمانين، كحد الفرية والزنا.
و أما الإجماع، فقالوا: إن الصحابة في عهد عمر أجمعوا على أن حد شرب الخمر ثمانون. يدل لذلك ما روى الدارقطني قال: حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: حدثنا صفوان بن عيسى، قال: حدثنا أسامة بن زيد عن الزهري، قال: أخبرني عبد الرحمن بن أزهر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوم حنين، وهو يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد، فأتي بسكران، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لمن عنده، فضربوه بما في أيديهم، و قال: و حثا رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم عليه التراب قال. ثم أتي أبو بكر (رضي الله عنه) بسكران، قال: فتوخي الذي كان من ضربهم يومئذ، فضرب أربعين. قال الزهري: ثم أخبرني حميد بن عبد الرحمن عن ابن وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر، قال: فأتيته و معه عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف و علي بن أبي طالب وطلحة و الزبير (رضي الله عنهم). وهم معه متكئون في المسجد، فقلت: إن خالد بن الوليد أرسلني إليك وهو يقرأ عليك السلام، و يقول: إن الناس قد انهمكوا في الخمر و تحاقروا العقوبة فيه، فقال عمر: هم هؤلاء عندك، فسلهم، فقال علي: نراه إذا سكر هذى، و إذا هذى افترى، و على المفتري ثمانون. قال: فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قال، قال: فجلد خالد ثمانين، و عمر ثمانين.