تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ١ - الصفحة ٣٦٨
الولي القتل، الاستسلام لأمر الله، وأن الولي فرض عليه الوقوف عند قتل قاتل وليه، وترك التعدي على غيره، فإن وقع الرضا بدون القصاص من دية أو عفو، فذلك مباح، والآية معلمه أن القصاص هو الغاية عند التشاح (1)، و (القصاص): مأخوذ من: قص الأثر، فكأن القاتل سلك طريقا من القتل، فقص أثره فيها.
ينظر: " الصحاح " (3 / 1052)، و " القاموس المحيط " (2 / 324)، و " المصباح المنير " (2 / 778)، و " المغرب " (2 / 182).
و قد اضطربت القوانين الوضعية في هذا القصاص، و اختلفت أنظار المفكرين في جوازه أو عدمه، و أخذ كل يدافع عن فكرته، و يحاجج عن رأيه، حتى رمى بعض الغلاة الإسلام بالقسوة في تقرير هذه العقوبة، و قالوا: إنها غير صالحة لهذا الزمن، و قد نسوا أن الإسلام جاء في ذلك بما يصلح البشر على مر الزمن مهما بلغوا في الرقي، و تقدموا في الحضارة.
كانت هذه العقوبة موجودة قبل الإسلام، و لكن للاعتداء فيها يده المثمرة، و للإسراف فيها ضرره البالغ، فحد الإسلام من غلوائها، و قصر من عدوانها، و منع الإسراف منها. فقال تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) [الإسراء: 33] فلم يبح دم من لم يشترك في القتل قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثى بالأنثى).
و قال عز من قائل: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف...) [المائدة: 45] الآية، و لكنه أفسح المجال للفصل بين الناس، و ترك الجماعة الراقية مع ذلك أن ترى خيرا في العفو عن الجاني فقال: (فمن تصدق به فهو كفارة له) [المائدة: 45] على أن العقلاء الذين خبروا الحوادث، وعركوا الأمور، و درسوا طبائع النفوس البشرية، و نزعاتها و غرائزها، فهداهم تفكيرهم الصحيح إلى صلاح هذه العقوبة، لإنتاج الغاية المقصودة، وهي إقرار الأمن و طمأنة النفوس، و درء العدوان و البغي، و إنقاذ كثيرين من الهلاك، قال تعالى: (و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).
ولقد فهم أولو الألباب هذه الحكمة البالغة، و قدروها حق قدرها، و ها نحن أولاء نرى اليوم أن الاسم التي ألغت هذه العقوبة عادت إلى تقريرها لما رأته في ذلك من المصلحة.
و أمكننا الآن أن نقول: إنه ليس هناك من خلاف كبير بين الإسلام و القوانين الوضعية في هذا الموضوع.
أما القصاص في غير القتل مما ورد في الآية الكريمة: (و العين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السن بالسن والجروح قصاص) [المائدة: 45] فهو في غاية الحكمة و العدالة، إذ لو لم يكن الأمر كذلك لاعتدى القوي على الضعيف، و شوه خلقته، و فعل به ما أمكنته الفرصة لا يخشى من وراء ذلك ضررا يناله، أو شرا يصيبه، ولو اقتصر الأمر على الديات كما هو الحال في القوانين الوضعية لكان سهلا على الباغي يسيرا على الجاني، و لتنازل الإنسان عن شئ من ماله في سبيل تعجيز عدوه، و تشويهه ما دامت القوة في يده، و لكنه لو عرف أن ما يناله بالسوء من أعضاء عدوه سيصيب أعضاءه مثله كذلك، انكمش و ارتدع، وسلموا جميعا من الشر.

(1) يقال: هما يتشاحان على أمر: إذا تنازعاه، لا يريد كل واحد منهما أن يفوته...، و تشاح الخصمان في الجدل كذلك. ينظر: " لسان العرب " (2205).
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة المحقق 5
2 المبحث الأول: نبذة عن حياة الثعالبي - اسمه وكنيته ولقبه - رحلاته وشيوخه 9
3 1 - محمد بن خلفه بن عمر التونسي 12
4 2 - ولي الدين العراقي 13
5 3 - محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر مرزوق 14
6 4 - أبو القاسم بن أحمد بن محمد المعتل البلوي 17
7 5 - علي بن عثمان بن المنجلاتي 19
8 6 - احمد النقاوسي البجاني 19
9 7 - عيسى بن أحمد بن محمد بن محمد الغبريني 19
10 8 - سليمان بن الحسن البوزيدي 20
11 9 - محمد بن علي بن جعفر الشمس 21
12 10 - عمر بن محمد القلشاني 22
13 11 - علي بن موسى البجائي 22
14 12 - البساطي 23
15 13 - أبو الحسن علي بن محمد البليليتي 23
16 14 - أبو يوسف يعقوب الزغبي - شيوخه الدين لم يذكره في رحلته 23
17 1 - عبد الله بن مسعود التونسي 23
18 2 - عبد العزيز بن موسى بن معطي العبدوسي 24
19 3 - عبد الواحد الغرياني - تلاميذه 25
20 1 - محمد بن محمد بن أحمد بن الخطيب 25
21 2 - محمد بن يوسف بن عمر شعيب السوسني 26
22 3 - أبو العباس أحمد بن عبد الله الجزائري الزواوي 29
23 4 - محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي 30
24 5 - علي بن محمد التالوتي الأنصاري 32
25 6 - علي بن عباد التستري البكري 33
26 7 - أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي القاسي الشهير بزروق 33
27 - مصنفات الثعالبي 36
28 - ثناء العلماء عليه 38
29 - المبحث الثاني: التفسير قبل أبي زيد الثعالبي 40
30 - التفسير لغة 40
31 - التفسير اصطلاحا 41
32 - التأويل لغة 42
33 - التأويل اصطلاحا 43
34 - الفرق بين التفسير والتأويل 44
35 - حاجة الناس إلى التفسير 46
36 - فهم الصحابة للقران الكريم 50
37 - أشهر مفسري القران من الصحابة 52
38 1 - علي بن أبي طالب 52
39 2 - عبد الله بن مسعود 53
40 3 - أبي بن كعب 55
41 4 - عبد الله بن عباس 56
42 - طرق الرواية عن ابن عباس 59
43 - قيمة التفسير المأثور عن الصحابة 60
44 - مدرسة مكة: تلاميذ ابن عباس 62
45 1 - سعيد بن جبير 62
46 2 - مجاهد بن جبر 66
47 3 - عكرمة 67
48 4 - طاووس 70
49 - مدرسة المدينة: تلاميذ أبي بن كعب 74
50 1 - أبو العالية 74
51 2 - محمد بن كعب القرظي 75
52 3 - زيد بن أسلم 75
53 - مدرسة العراق: تلاميذ عبد الله بن مسعود 76
54 1 - علقمة بن قيس 76
55 2 - مسروق 77
56 3 - عامر الشعبي 77
57 4 - الحسن البصري 78
58 5 - قتادة 79
59 - قيمة التفسير المأثور عن التابعين 81
60 - سمات التفسير في تلك المرحلة 82
61 - التفسير في عصر التدوين 82
62 - اقسام التفسير 83
63 - الاتجاه الأثري في التفسير 83
64 - ابن جرير الطبري 84
65 - طريقة الطبري في التفسير 85
66 - الاتجاه اللغوي 86
67 - الاتجاه البياني 88
68 المبحث الثالث: الكلام على تفسير الثعالبي 91
69 1 - مصادر من كتب التفسير 91
70 2 - كتب غريب القران والحديث 94
71 3 - المصادر التي اعتمد عليها من كتب السنة 95
72 4 - كتب الترغيب والترهيب 95
73 5 - كتب في الاحكام الفقهية والأصولية 96
74 6 - كتب الخصائص والشمائل 96
75 8 - في الأسماء والصفات 97
76 9 - ومن كتب التاريخ 97
77 10 - كتب أخرى منثورة 97
78 - منهج الامام الثعالبي في تفسيره 98
79 1 - جمعة بين التفسير بالمأثور والرأي 99
80 2 - تعرضه لمسائل في أصول الدين 100
81 3 - مسائل أصول الفقه في تفسير 101
82 4 - تعرضه لايات الاحكام 102
83 5 - احتجاجه باللغة والمسائل النحوية 103
84 6 - ذكره لأسباب النزول 104
85 7 - ذكره للقراءات الواردة في الآية 105
86 8 - احتجاجه بالشعر 108
87 9 - موقفه من الإسرائيليات 109
88 - وصف النسخ المعتمد عليها في كتاب تفسير الثعالبي 113
89 - نماذج من صور مخطوطات الكتاب 115
90 - مقدمة المؤلف 117
91 - باب في فضل القران 123
92 - باب في فضل تفسير القران واعرابه 135
93 - فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القران والجرأة عليه ومراتب المفسرين 138
94 - فصل: انزل القران على سبعة أحرف 145
95 - فصل في ذكر الألفاظ التي في القران مما للغات العجم بها تعلق 148
96 - باب تفسير أسماء القران وذكر السورة والآية 150
97 - باب في الاستعاذة 154
98 - باب في تفسير (بسم الله الرحمن الرحيم) 156
99 - تفسير فاتحة الكتاب 161
100 - تفسير سورة البقرة 174