انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدخل (1)، ويسرها الله لذلك، ليظهر آية نهيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه، وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة، فلم تطرقها الأمم.
فأما اليمن، وهو جنوبي الجزيرة، فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود، على أن أبا عبيد القاسم بن سلام، وأبا العباس المبرد (2) قد ذكرا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلغاتها.
قال * ع (3) *: وذلك عندي إنما هو فيما استعمله عرب الحجاز من لغة اليمن، كالعرم (4) والفتاح، فأما ما انفردوا به، كالزخيخ (5) والقلوب (6)، فليس في كتاب الله منه شئ، وأما ما والى العراق من جزيرة العرب، وهي بلاد ربيعة وشرقي الجزيرة، فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنبط ونصارى الحيرة وغير ذلك، وأما الذي يلي الشام، وهو شمالي الجزيرة، وهي بلاد آل جفنة وغيرهم، فأفسدها مخالطة الروم، وكثير من بني إسرائيل، وأما غربي الجزيرة، فهي جبال تسكن بعضها هذيل وغيرهم، وأكثرها غير معمور، فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات، لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم.
ويقوى هذا المنزع أنه لما أتسع نطاق الاسلام وداخلت الأمم العرب، وتجرد أهل المصرين، البصرة، والكوفة لحفظ لسان العرب، وكتب لغتها، لم يأخذوا إلا من هذه