قوله تعالى: أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين (16) قوله تعالى: " أم اتخذ مما يخلق بنات " الميم صلة، تقديره اتخذ مما يخلق بنات كما زعمتم أن الملائكة بنات الله، فلفظه لفظ الاستفهام ومعناه التوبيخ. " وأصفاكم بالبنين أي اختصكم وأخلصكم بالبنين، يقال: أصفيته بكذا، أي آثرته به. وأصفيته الود أخلصته له. وصافيته وتصافينا تخالصنا. عجب من إضافتهم إلى الله اختيار البنات مع اختيارهم لأنفسهم البنين، وهو مقدس عن أن يكون له ولد إن توهم جاهل أنه اتخذ لنفسه ولدا فهلا أضاف إليه أرفع الجنسين! ولم جعل هؤلاء لأنفسهم أشرف الجنسين وله الأخس؟
وهذا كما قال تعالى: " ألكم الذكر (1) وله الأنثى. تلك إذا قسمة ضيزى " [النجم: 21 - 22].
قوله تعالى: وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم (17) قوله تعالى: " وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا " أي بأنه ولدت له بنت " ظل وجهه " أي صار وجهه " مسودا " قيل ببطلان مثله الذي ضربه. وقيل: بما بشر به من الأنثى، دليله في سورة النحل " وإذا بشر أحدهم بالأنثى " (2) [النحل: 58]. ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له قد ولدت له أنثى اغتم واربد وجهه غيظا وتأسفا وهو مملوء من الكرب. وعن بعض العرب أن امرأته وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة فقالت:
ما لأبي حمزة لا يأتينا * يظل في البيت الذي يلينا غضبان ألا نلد البنينا * وإنما نأخذ ما أعطينا وقرئ " مسودا، ومسواد ". وعلى قراءة الجماعة يكون وجهه اسم " ظل " و " مسودا " خبر " ظل ". ويجوز أن يكون في " ظل " ضمير عائد على أحد وهو اسمها، و " وجهه "