في قرن - وهو الحبل - فأوثقه به وشده. والثاني - أنه مأخوذ من المقارنة وهو أن يقرن بعضها ببعض في السير، يقال: قرنت كذا بكذا إذا ربطته به وجعلته قرينه.
الخامسة - علمنا الله سبحانه ما نقول إذا ركبنا الدواب، وعرفنا في آية أخرى على لسان نوح عليه السلام ما نقول إذا ركبنا السفن، وهي قوله تعالى: " وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم " (1) [هود: 41] فكم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت (2) أو طاح من ظهرها فهلك (3). وكم من راكبين في سفينة انكسرت بهم فغرقوا. فلما كان الركوب مباشرة أمر محظور واتصالا بأسباب من أسباب التلف أمر ألا ينسى عند اتصاله به يومه، وأنه هالك لا محالة فمنقلب إلى الله عز وجل غير منفلت من قضائه. ولا يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه حتى يكون مستعدا للقاء الله بإصلاحه من نفسه. والحذر من أن يكون وركوبه ذلك من أسباب موته في علم الله وهو غافل عنه. حكى سليمان بن يسار أن قوما كانوا في سفر فكانوا إذا ركبوا قالوا: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " وكان فيهم رجل على ناقة له رازم - وهي التي لا تتحرك هزالا (4) - فقال: أما أنا فإني لهذه لمقرن، قال: فقمصت به فدقت عنقه. وروي أن أعرابيا ركب قعودا له وقال إني لمقرن له فركضت به القعود (5) حتى صرعته فاندقت عنقه. ذكر الأول الماوردي والثاني ابن العربي. قال: وما ينبغي لعبد أن يدع قول هذا وليس بواجب ذكره باللسان، فيقول متى ركب وخاصة في السفر إذا تذكر: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون " اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والجور بعد الكور، وسوء المنظر في الأهل والمال، يعني ب " الجور بعد الكور " تشتت أمر الرجل بعد اجتماعه.
وقال عمرو بن دينار: ركبت مع أبي جعفر إلى أرض له نحو حائط يقال لها مدركة، فركب