الثانية - قال علماؤنا: أفعال الرب سبحانه لا تخلو عن مصالح وإن لم يجب على الله الاستصلاح، فقد يعلم من حال عبد أنه لو بسط عليه قاده ذلك إلى الفساد فيزوى عنه الدنيا، مصلحة له. فليس ضيق الرزق هوانا ولا سعة فضيلة، وقد أعطى أقواما مع علمه أنهم يستعملونه في الفساد، ولو فعل بهم خلاف ما فعل لكانوا أقرب إلى الصلاح.
والامر على الجملة مفوض إلى مشيئته، ولا يمكن التزام مذهب الاستصلاح في كل فعل من أفعال الله تعالى. وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: (من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وإني لأسرع شئ إلى نصرة أوليائي وإني لأغضب لهم كما يغضب الليث الحرد. وما ترددت في شئ أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره إساءته ولا بد له منه. وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه. وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا ومؤيدا فإن سألني أعطيته وإن دعاني أجبته. وإن من عبادي المؤمنين من يسألني الباب من العبادة وإني عليم أن لو أعطيته إياه لدخله العجب فأفسده. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده الفقر. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده الغنى. وإني لأدبر عبادي لعلمي بقلوبهم فإني عليم خبير). ثم قال أنس: اللهم إني من عبادك المؤمنين الذين لا يصلحهم إلا الغنى، فلا تفقرني برحمتك.
قوله تعالى: وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد (28) قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد وأبو عمرو ويعقوب وابن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي " ينزل " مخففا. الباقون بالتشديد. وقرأ ابن وثاب أيضا والأعمش وغيرهما " قنطوا " بكسر النون، وقد تقدم جميع هذا (1). والغيث المطر، وسمي الغيث غيثا لأنه يغيث