قوله تعالى: " أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم " أي ما يسرونه في أنفسهم ويتناجون به بينهم. " بلى " نسمع ونعلم. " ورسلنا لديهم يكتبون " أي الحفظة عندهم يكتبون عليهم. وروي أن هذا نزل في ثلاثة نفر كانوا بين الكعبة وأستارها، فقال أحدهم:
أترون أن الله يسمع كلامنا؟ وقال الثاني: إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع. وقال الثالث: إن كان يسمع إذا أعلنتم فهو يسمع إذا أسررتم. قاله محمد بن كعب القرضي. وقد مضى هذا المعنى عن ابن مسعود في سورة " فصلت ". (1) قوله تعالى: قل إن كان الرحمن ولد فأنا أول العبدين (81) سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون (82) قوله تعالى: " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " اختلف في معناه، فقال ابن عباس والحسن والسدي: المعنى ما كان للرحمن ولد، ف " إن " بمعنى ما، ويكون الكلام على هذا تاما، ثم تبتدئ " فأنا أول العابدين " أي الموحدين من أهل مكة على أنه لا ولد له.
والوقف على " العابدين " تام. وقيل: المعنى قل يا محمد إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده، ولكن يستحيل أن يكون له ولد، وهو كما تقول لمن تناظره: إن ثبت ما قلت بالدليل فأنا أول من يعتقده، وهذا مبالغة في الاستبعاد، أي لا سبيل إلى اعتقاده. وهذا ترقيق في الكلام، كقوله: " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " (2) [سبأ: 24]. والمعنى على هذا: فأنا أول العابدين لذلك الولد، لان تعظيم الولد تعظيم للوالد. وقال مجاهد: المعنى إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده وحده، على أنه لا ولد له. وقال السدي أيضا: المعنى لو كان له ولد كنت أول من عبده، على أن له ولدا ولكن لا ينبغي ذلك. قال المهدوي: ف " إن " على هذه الأقوال للشرط، وهو الأجود، وهو اختيار الطبري، لان كونها بمعنى ما يتوهم معه أن المعنى لم يكن له فيما مضى.
وقيل: إن معنى " العابدين " الآنفين. وقال بعض العلماء: لو كان كذلك لكان العبدين.