قوله تعالى: ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل يقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير (27) فيه مسألتان:
الأولى - في نزولها، قيل: إنها نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق. وقال خباب بن الأرت: فينا نزلت، نظرنا إلى أموال بني النضير وقريظة وبني قينقاع فتمنيناها فنزلت. " لو بسط " معناه وسع. وبسط الشئ نشره. وبالصاد أيضا. " لبغوا في الأرض " طغوا وعصوا. وقال ابن عباس: بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ودابة بعد دابة ومركبا بعد مركب وملبسا بعد ملبس. وقيل أراد لو أعطاهم الكثير لطلبوا ما هو أكثر منه، لقوله:
(لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا) وهذا هو البغي، وهو معنى قول ابن عباس. وقيل: لو جعلناهم سواء في المال لما انقاد بعضهم لبعض، ولتعطلت الصنائع.
وقيل: أراد بالرزق المطر الذي هو سبب الرزق، أي لو أدام المطر لتشاغلوا به عن الدعاء، فيقبض تارة ليتضرعوا ويبسط أخرى ليشكروا. وقيل: كانوا إذا أخصبوا أغار بعضهم على بعض، فلا يبعد حمل البغي على هذا. الزمخشري: " لبغوا " من البغي وهو الظلم، أي لبغى هذا على ذاك وذاك على هذا، لان الغنى مبطرة مأشرة، وكفى بقارون عبرة. ومنه قوله عليه السلام: (أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها). ولبعض العرب:
وقد جعل الوسمي ينبت بيننا * وبين بني دودان نبعا وشوحطا (1) يعني أنهم أحيوا فحدثوا أنفسهم بالبغي والتغابن. أو من البغي وهو البذخ والكبر، أي لتكبروا في الأرض وفعلوا ما يتبع الكبر من العلو فيها والفساد. " ولكن ينزل بقدر ما يشاء " أي ينزل أرزاقهم بقدر ما يشاء لكفايتهم. وقال مقاتل: " ينزل بقدر ما يشاء " يجعل من يشاء غنيا ومن يشاء فقيرا.