البعض إلى البعض، كما قال: " ليتخذ بعضهم بعضا سخريا " (1) [الزخرف: 32]، فكان هذا لطفا بالعباد.
وأيضا ليمتحن الغني بالفقير والفقير بالغني، كما قال: " وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون " [الفرقان: 20] على ما تقدم بيانه. (2) " وهو القوي العزيز " قوله تعالى: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب (20) قوله تعالى: " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه " الحرث العمل والكسب.
ومنه قول عبد الله بن عمر: واحرث لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. ومنه سمى الرجل حارثا. والمعنى: أي من طلب بما رزقناه حرثا لآخرته، فأدى حقوق الله وأنفق في إعزاز الدين، فإنما نعطيه ثواب ذلك للواحد عشرا إلى سبعمائة فأكثر.
" ومن كان يريد حرث الدنيا " أي طلب بالمال الذي آتاه الله رياسة الدنيا والتوصل إلى المحظورات، فإنا لا نحرمه الرزق أصلا، ولكن لا حظ له في الآخرة من ماله، قال الله تعالى:
" من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " (3) [الاسراء: 18 - 19].
وقيل: " نزد له في حرثه " نوفقه للعبادة ونسهلها عليه. وقيل: حرث الآخرة الطاعة، أي من أطاع فله الثواب. وقيل: " نزد له في حرثه " أي نعطيه الدنيا مع الآخرة. وقيل:
الآية في الغزو، أي من أراد بغزوه الآخرة أوتي الثواب، ومن أراد بغزوه الغنيمة أوتي منها.
قال القشيري: والظاهر أن الآية في الكافر، يوسع له في الدنيا، أي لا ينبغي له أن يغتر بذلك لان الدنيا لا تبقى. وقال قتادة: إن الله يعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا، ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا. وقال أيضا: يقول الله تعالى: (من عمل لآخرته زدناه في عمله وأعطيناه من الدنيا ما كتبنا له ومن آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيبا في الآخرة