وأطعموا نخل خيبر، وبلغ الهدي محله، وظهرت الروم على فارس، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس. وقال الزهري: لقد كان الحديبية أعظم الفتوح، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليها في ألف وأربعمائة، فلما وقع الصلح مشى الناس بعضهم في بعض وعلموا وسمعوا عن الله، فما أراد أحد الاسلام إلا تمكن منه، فما مضت تلك السنتان إلا والمسلمون قد جاءوا إلى مكة في عشرة آلاف. وقال مجاهد أيضا والعوفي: هو فتح خبير.
والأول أكثر، وخيبر إنما كانت وعدا وعدوه، على ما يأتي بيانه في قوله تعالى: " سيقول المخلفون إذا انطلقتم " (1) [الفتح: 10] وقوله " وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه " (2) [الفتح: 20]. وقال مجمع بن جارية - وكان أحد القراء الذين قرؤوا القرآن -: شهدنا الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر، فقال بعض الناس لبعض:
ما بال الناس؟ قالوا: أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فخرجنا نوجف (3) فوجدنا نبي الله صلى الله عليه وسلم عند كراع الغميم (4)، فلما اجتمع الناس قرأ النبي صلى الله عليه وسلم " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " فقال عمر بن الخطاب: أو فتح هو يا رسول الله؟
قال: [نعم، والذي نفسي بيده إنه لفتح]. فقسمت خيبر على أهل الحديبية، لم يدخل أحد إلا من شهد الحديبية. وقيل: إن قوله تعالى " فتحا " يدل على أن مكة فتحت عنوة (5)، لان اسم الفتح لا يقع مطلقا إلا على ما فتح عنوة. هذا هو حقيقة الاسم. وقد يقال:
فتح البلد صلحا، فلا يفهم الصلح إلا بأن يقرن بالفتح، فصار الفتح في الصلح مجازا.
والاخبار دالة على أنها فتحت عنوة، وقد مضى القول فيها (6)، ويأتي.
قوله تعالى: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراط مستقيما (2) وينصرك الله نصرا عزيزا (3)