وما قبلها جوابا لها، لأنها لم تعمل في اللفظ. ونظيره: " وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين " (1) [البقرة: 278] وقيل: الجواب محذوف دل عليه ما تقدم، كما تقول: أنت ظالم إن فعلت. ومعنى الكسر عند الزجاج الحال، لان في الكلام معنى التقرير والتوبيخ. ومعنى " صفحا " إعراضا، يقال: صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه. وقد ضربت عنه صفحا إذا أعرضت عنه وتركته. والأصل فيه صفحة العنق، يقال: أعرضت عنه أي وليته صفحة عنقي.
قال الشاعر (2):
صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة * فمن مل منها ذلك الوصل ملت وانتصب " صفحا " على المصدر لان معنى " أفنضرب " أفنصفح. وقيل: التقدير أفنضرب عنكم الذكر صافحين، كما يقال: جاء فلان مشيا. ومعنى " مسرفين " مشركين. واختار أبو عبيدة الفتح في " أن " وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وابن عامر، قال: لان الله تعالى عاتبهم على ما كان منهم، وعلمه قبل ذلك من فعلهم.
قوله تعالى: وكم أرسلنا من نبي في الأولين (6) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون (7) فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين (8) قوله تعالى: " وكم أرسلنا من نبي في الأولين " كم " هنا خبرية والمراد بها التكثير، والمعنى ما أكثر ما أرسلنا من الأنبياء. كما قال " كم تركوا من جنات وعيون " (3) [الدخان: 25] أي ما أكثر ما تركوا.
" وما يأتيهم من نبي " أي لم يكن يأتيهم نبي " إلا كانوا به يستهزئون " كاستهزاء قومك بك.
يعزي نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ويسليه. " فأهلكنا أشد منهم بطشا " أي قوما أشد منهم قوة. والكناية في " منهم " ترجع إلى المشركين المخاطبين بقوله " أفنضرب عنكم الذكر صفحا " فكنى عنهم بعد أن خاطبهم. و " أشد " نصب على الحال. وقيل هو مفعول، أي فقد أهلكنا