لقدير. الذين أخرجوا... (1) " [الحج: 39 - 40] الآيات كلها. وقيل: هو عام في بغي كل باغ من كافر وغيره، أي إذا نالهم ظلم من ظالم لم يستسلموا لظلمه. وهذه إشارة إلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود. قال ابن العربي: ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح، فاحتمل أن يكون أحدهما رافعا للاخر، واحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى حالتين، إحداهما أن يكون الباغي معلنا بالفجور، وقحا في الجمهور، مؤذيا للصغير والكبير، فيكون الانتقام منه أفضل. وفي مثله قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق. الثانية - أن تكون الفلتة، أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة، فالعفو ها هنا أفضل، وفي مثله نزلت " وأن تعفوا أقرب للتقوى " (2) [البقرة: 237]. وقوله: " فمن تصدق به فهو كفارة له " (3) [المائدة: 45]. وقوله:
" وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ". (4) [النور: 22] قلت: هذا حسن، وهكذا ذكر الكيا الطبري في أحكامه قال: قوله تعالى: " والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون " يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل، ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله سبحانه وتعالى وإقام الصلاة، وهو محمول على ما ذكر إبراهيم النخعي أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق، فهذا فيمن تعدى وأصر على ذلك. والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادما مقلعا. وقد قال عقيب هذه الآية: " ولمن أنتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ". ويقتضي ذلك إباحة الانتصار لا الامر به، وقد عقبه بقوله: " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ". وهو محمول على الغفران عن غير المصر، فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه بدلالة الآية التي قبلها. وقيل: أي إذا أصابهم البغي تناصروا عليه حتى يزيلوه عنهم ويدفعوه، قاله ابن بحر. وهو راجع إلى العموم على ما ذكرنا.