أهل الكوفة قال: لأنها من السير، وحكى هو والأصمعي أنه يقال: تبعه واتبعه إذا سار ولم يلحقه، وأتبعه إذا لحقه، قال أبو عبيد: ومثله، " فأتبعوهم مشرقين " (1). قال النحاس:
وهذا [من] (2) التفريق وإن كان الأصمعي قد حكاه لا يقبل إلا بعلة أو دليل. وقوله عز وجل:
" فأتبعوهم مشرقين " [الشعراء: 60] ليس في الحديث أنهم لحقوهم، وإنما الحديث لما خرج موسى عليه السلام وأصحابه من البحر وحصل فرعون وأصحابه انطبق عليهم البحر. والحق في هذا أن تبع وأتبع وأتبع لغات بمعنى واحد، وهي بمعنى السير، فقد يجوز أن يكون معه لحاق وألا يكون.
(حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة) قرأ ابن عاصم وعامر وحمزة والكسائي " حامية " أي حارة. الباقون " حمئة " أي كثيرة الحمأة وهي الطينة السوداء، تقول: حمأت البئر حمأ (بالتسكين) إذا نزعت حمأتها. وحمئت البئر حمأ (بالتحريك) كثرت حمأتها. ويجوز أن تكون " حامية " من الحمأة فخففت الهمزة وقلبت ياء. وقد يجمع بين القراءتين فيقال: كانت حارة وذات حمأة. وقال عبد الله بن عمرو: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غربت، فقال: (نار الله الحامية لولا ما يزعها من أمر الله لأحرقت ما على الأرض). وقال ابن عباس: أقرأنيها أبي كما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم " في عين حمئة "، وقال معاوية: هي " حامية " فقال عبد الله بن عمرو بن العاص:
فأنا مع أمير المؤمنين، فجعلوا كعبا بينهم حكما وقالوا: يا كعب كيف تجد هذا في التوراة؟
فقال: أجدها تغرب في عين سوداء، فوافق ابن عباس. وقال الشاعر وهو تبع اليماني:
قد كان ذو القرنين قبلي مسلما * ملكا تدين له الملوك وتسجد بلغ المغارب والمشارق يبتغي * أسباب أمر من حكيم مرشد فرأى مغيب الشمس عند غروبها * في عين ذي خلب وثأط حرمد (3) الخلب: الطين. والثأط: الحمأة. والحرمد: الأسود. وقال القفال قال بعض العلماء:
ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا حتى وصل إلى جرمها ومسها، لأنها تدور