وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه عينا وحده فقال: جئت إلى خشبة خبيب فرقيت فيها وأنا أتخوف العيون فأطلقته، فوقع في الأرض، ثم اقتحمت فانتبذت قليلا، ثم ألتفت فكأنما ابتلعته الأرض. وفي رواية أخرى زيادة: فلم نذكر لخبيب رمة حتى الساعة، ذكره البيهقي.
الحادية عشرة - ولا ينكر أن يكون للولي مال وضيعة يصون بها وجهه (1) وعياله، وحسبك بالصحابة وأموالهم مع ولايتهم وفضلهم، وهم الحجة على غيرهم. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فافرغ ماءه في حرة (2) فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته (3) فقال يا عبد الله ما أسمك قال فلان الاسم الذي سمعه في السحابة فقال له يا عبد الله لم سألتني عن اسمي قال إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها قال أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا وأرد فيها ثلثه) وفي رواية (وأجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن السبيل).
قلت: وهذا الحديث لا يناقضه قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا) خرجه الترمذي من حديث ابن مسعود وقال فيه حديث حسن، فإنه محمول على من اتخذها مستكثرا أو متنعما ومتمتعا بزهرتها، وأما من اتخذها معاشا يصون بها دينه وعياله فاتخاذها بهذه النية من أفضل الأعمال، وهي من أفضل الأموال، قال عليه الصلاة والسلام:
(نعم المال الصالح للرجل الصالح). وقد أكثر الناس في كرامات الأولياء وما ذكرناه فيه كفاية، والله الموفق للهداية.
الثانية عشرة - قوله تعالى: " لاتخذت عليه أجرا " فيه دليل على صحة جواز الإجارة، وهي سنة الأنبياء والأولياء على ما يأتي بيانه في سورة " القصص " (4) إن شاء الله تعالى. وقرأ الجمهور " لاتخذت " وأبو عمرو " لتخذت " وهي قراءة ابن مسعود والحسن وقتادة، وهما