ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين " (1) [الممتحنة: 8]. وقال:
" قد كانت " لكم أسوة حسنة في إبراهيم " (1) [الممتحنة: 4] الآية، وقال إبراهيم لأبيه " سلام عليك ".
قلت: الأظهر من الآية ما قاله سفيان بن عيينة، وفي الباب حديثان صحيحان: روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه) خرجه البخاري ومسلم. وفي الصحيحين عن أسامة ابن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا عليه إكاف تحته قطيفة فدكية، وأردف وراءه أسامة بن زيد، وهو يعود سعد بن عبادة (2) في بني الحرث بن الخزرج، وذلك قبل وقعة بدر، حتى مر في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بن أبي بن سلول، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث. فالأول يفيد ترك السلام عليهم ابتداء لان ذلك إكرام، والكافر ليس أهله.
والحديث الثاني يجوز ذلك. قال الطبري: ولا يعارض ما رواه أسامة بحديث أبي هريرة فإنه ليس في أحدهما خلاف للآخر وذلك أن حديث أبي هريرة مخرجه العموم، وخبر أسامة يبين أن معناه الخصوص. وقال النخعي: إذا كانت لك حاجة عند يهودي أو نصراني فابدأه بالسلام فبان بهذا أن حديث أبي هريرة (لا تبدءوهم بالسلام) إذا كان لغير سبب يدعوكم إلى أن تبدءوهم بالسلام، من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لكم قبلهم، أو حق صحبة أو جوار أو سفر. قال الطبري: وقد روي عن السلف أنهم كانوا يسلمون على أهل الكتاب. وفعله ابن مسعود بدهقان صحبه في طريقه، قال علقمة: فقلت له يا أبا عبد الرحمن أليس يكره أن يبدءوا بالسلام؟! قال: نعم، ولكن حق الصحبة. وكان أبو أمامة (3) إذا انصرف إلى بيته لا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا سلم عليه، فقيل له في ذلك فقال: أمرنا أن نفشي السلام. وسئل الأوزاعي عن مسلم مر بكافر فسلم عليه، فقال: إن سلمت فقد سلم الصالحون قبلك، وإن تركت فقد ترك الصالحون قبلك. وروي عن الحسن البصري أنه قال: إذا مررت بمجلس فيه مسلمون وكفار فسلم عليهم.