وهذه الدعوة الربانية تقابل ما كان سائدا في عصور الجاهلية، كيف وكانوا يتعاملون مع اليتامى، ولا تنفصل جاهلية اليوم عن تلك الجاهلية، فنرى من لم يدخل الإيمان قلبه، كيف يتوسل بمختلف الحيل والألاعيب لسرقة أموال اليتامى، والأشد من هذا فإنهم يتركون اليتامى جانبا بلا اهتمام ولا رعاية ليعيشوا غم فقدان الآباء وبأشد صورة!
فإكرام اليتيم لا ينحصر بحفظ أموالهم - كما يقول البعض - بل يشمل حفظ الأموال وغيرها.
" تحاضون ": من (الحض)، وهو الترغيب، فلا يكفي إطعام المسكين بل يجب على الناس أن يتواصوا ويحث بعضهم البعض الآخر على ذلك لتعم هذه السنة التربوية كل المجتمع (1).
وقد قرنت الآية (34) من سورة الحاقة عدم الإكرام بعدم الإيمان بالله عز وجل: إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين (2).
وتعرض الآية التالية ثالث أعمالهم القبيحة: وتأكلون التراث أكلا لما (3).
مما لا شك فيه أن الاستفادة من الميراث المشروع عمل غير مذموم، ولذا فيمكن أن يكون المذموم في الآية أحد الأمور التالية:
الأول: الجمع بين حق الإنسان وحق الآخرين في الميراث، لأن كلمة " لم " بمعنى الجمع، وفسرها الزمخشري في الكشاف بمعنى الجمع بين الحلال والحرام.
وكانت عادة العرب في الجاهلية أن يحرموا النساء والأطفال من الإرث لاعتقادهم بأنه نصيب المقاتلين (لأن أكثر أموالهم تأتيهم عن طريق السلب والإغارة).