النفخة الثانية التي تحيا فيها الأموات دون النفخة الأولى التي تموت فيها الاحياء كما قاله بعضهم لكون ما يترتب عليها من انتفاء الأنساب والتساؤل وثقل الميزان وخفته إلى غير ذلك من آثار النفخة الثانية.
وقوله: " فلا أنساب بينهم " نفي لآثار الأنساب بنفي أصلها فإن الذي يستوجب حفظ الأنساب واعتبارها هي الحوائج الدنيوية التي تدعو الانسان إلى الحياة الاجتماعية التي تبتني على تكون البيت، والمجتمع المنزلي يستعقب التعارف والتعاطف وأقسام التعاون والتعاضد وسائر الأسباب التي تدوم بها العيشة الدنيوية ويوم القيامة ظرف جزاء الأعمال وسقوط الأسباب التي منها الأعمال فلا موطن فيه للأسباب الدنيوية التي منها الأنساب بلوازمها وخواصها وآثارها.
وقوله: " ولا يتساءلون " ذكر لأظهر آثار الأنساب، وهو التساؤل بين المنتسبين بسؤال بعضهم عن حال بعض، للإعانة والاستعانة في الحوائج لجلب المنافع ودفع المضار. ولا ينافي الآية ما وقع في مواضع أخر من قوله تعالى: " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " الصافات: 27، فإنه حكاية تساؤل أهل الجنة بعد دخولها وتساؤل أهل النار بعد دخولها وهذه الآية تنفي التساؤل في ظرف الحساب والقضاء.
قوله تعالى: " فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون " أي آخر الآيتين.
الموازين جمع الميزان أو جمع الموزون وهو العمل الذي يوزن يومئذ، وقد تقدم الكلام في معنى الميزان وثقله وخفته في تفسير سورة الأعراف.
قوله تعالى: " تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون " قال في المجمع: اللفح والنفح بمعنى إلا أن اللفح أشد تأثيرا وأعظم من النفح، وهو ضرب من السموم للوجه والنفح ضرب الريح الوجه، والكلوح تقلص الشفتين عن الأسنان حتى تبدو الأسنان. انتهى.
والمعنى: يصيب وجوههم لهب النار حتى تتقلص شفاههم وتنكشف عن أسنانهم كالرؤوس المشوية.
قوله تعالى: " ألم تكن آياتي تتلى عليكم " الخ أي يقال لهم: ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون.