تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٧٠
قوله تعالى: " قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين " الشقوة والشقاوة والشقاء خلاف السعادة، وعادة الشئ ما يختص به من الخير، وشقاوته فقد ذلك وإن شئت فقل: ما يختص به من الشر.
وقوله: " غلبت علينا شقوتنا " أي قهرنا واستولت علينا شقوتنا، وفي إضافة الشقوة إلى أنفسهم تلويح إلى أن لهم صنعا في شقوتهم من جهة اكتسابهم ذلك بسوء اختيارهم، والدليل عليه قولهم بعد: " ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " إذ هو وعد منهم بالحسنات ولو لم يكن لها ارتباط باكتسابهم الاختياري لم يكن الوعد معنى لكون حالهم بعد الخروج مساوية لما قبل الخروج.
وقد عدوا أنفسهم مغلوبة للشقوة فقد أخذوها ساذجة في ذواتها صالحة للحقوق السعادة والشقاوة غير أن الشقوة غلبت فأشغلت المحل وكانت الشقوة شقوة أنفسهم أي شقوة لازمة لسوء اختيارهم وسيآت أعمالهم لانهم فرضوا أنفسهم خالية عن السعادة والشقوة لذاتها فانتساب الشقوة إلى أنفسهم وارتباطها بها إنما هي من جهة سوء اختيارهم وسيئات أعمالهم.
وبالجملة هو اعتراف منهم بتمام الحجة ولحوق الشقوة على ما يشهد به وقوع الآية بعد قوله: " ألم تكن آياتي تتلى عليكم " الخ.
ثم عقبوا قولهم: " غلبت علينا شقوتنا " بقولهم: " وكنا قوما ضالين " تأكيدا لاعترافهم، وإنما اعترفوا بالذنب ليتوسلوا به إلى التخلص من العذاب والرجوع إلى الدنيا لكسب السعادة فقد شاهدوا في الدنيا أن اعتراف العاصي المتمرد بذنبه وظلمه توبة منه مطهرة له تنجيه من تبعة الذنب وهم يعلمون أن اليوم يوم جزاء لا يوم عمل والتوبة والاعتراف بالذنب من الأعمال لكن ذلك من قبيل ظهور الملكات كما أنهم يكذبون يومئذ وينكرون أشياء مع ظهور الحق ومعاينته لاستقرار ملكة الكذب والانكار في نفوسهم، قال تعالى: " يوم يبعثهم الله جميعا يحلفون له كما يحلفون لكم " المجادلة: 18. وقال: " ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا " المؤمن: 74.
قوله تعالى: " ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " سؤال منهم للرجوع إلى الدنيا على ما تدل عليه آيات أخر فهو من قبيل طلب المسبب بطلب سببه،
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»
الفهرست