تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٦٧
وصرفتهم عن الآخرة قليلة لو كانوا يعلمون. ثم تختم السورة بأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن تسأله ما حكاه عن عباده المؤمنين الفائزين في الآخرة " رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين " وقد افتتحت السورة بأنهم مفلحون وارثون للجنة.
قوله تعالى: " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون " " حتى " متعلق بما تقدم من وصفهم له تعالى بما هو منزه منه وشركهم به، والآيات المتخللة إعتراض في الكلام أي لا يزالون يشركون به ويصفونه بما هو منزه منه وهم مغترون بما نمدهم به من مال وبنين حتى إذا جاء أحدهم الموت.
وقوله: " قال رب ارجعون " الظاهر أن الخطاب للملائكة المتصدين لقبض روحه و " رب " استغاثة معترضة بحذف حرف النداء والمعنى قال - وهو يستغيث بربه - ارجعون.
وقيل: إن الخطاب للرب تعالى والجمع للتعظيم كقول امرأة فرعون له على ما حكاه الله: " قرة عين لي ولك لا تقتلوه ".
وقيل: هو من جمع الفعل ويفيد تعدد الخطاب، والمعنى رب ارجعني ارجعني ارجعني كما قيل في قوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوي بين الدخول فحومل أي قف قف نبك.
وفي الوجهين أن الجمع للتعظيم إن صح ثبوته في اللغة العربية فهو شاذ لا يحمل عليه كلامه تعالى، وأشد منه جمع الفعل بالمعني الذي ذكر.
قوله تعالى: " لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها " " لعل " للترجي وهو رجاء تعلقوا به بمعاينة العذاب المشرف عليهم كما ربما ذكروا الرجوع بوعد العمل الصالح كقولهم: " فأرجعنا نعمل صالحا " السجدة: 12، وربما ذكروه بلفظ التمني كقولهم: " يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا " الانعام: 27.
وقوله: " أعمل صالحا فيما تركت " أي أعمل عملا صالحا فيما تركت من المال بإنفاقه في البر والاحسان وكل ما فيه رضي الله سبحانه.
وقيل: المراد بما تركت الدنيا التي تركها بالموت والعمل الصالح أعم من العبادات المالية وغيرها من صلاة وصوم وحج ونحوها، وهو حسن غير أن الأول هو الاظهر.
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست