تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٥٨
أجابوا بإثبات الربوبية لآلهتهم دون الله فلا يستقيم قوله: " سيقولون لله " إذ لا ملزم يلزمهم على الاعتراف به.
والذي يحسم أصل الاشكال أن البحث العميق عن معتقدات القوم يعطي أنهم لم يكونوا يبنون آرائهم في أمر الآلهة على أصل أو أصول منظمة مسلمة عند الجميع فأمثال الصابئين والبرهمائيين والبوذيين كانوا يقسمون أمور العالم إلى أنواع وأقسام كأمر السماء والأرض وأنواع الحيوان والنبات والبر والبحر وغير ذلك ويثبتون لكل منها إلها دون الله يعبدونه من دون الله ويعدونه شفيعا مقربا ثم يتخذون له صنما يمثله.
وأما عامتهم من الهمجيين كأعراب الجاهلية والقاطنين في أطراف المعمورة فلم يكن معتقداتهم في ذلك مبنية قواعد مضبوطة وربما كانوا يرون للمعمورة من الأرض وسكانها آلهة دون الله لها أصنام وربما رأوا نفس الأصنام المصنوعة آلهة، وأما السماوات والسماويات وكذا البحار فكانوا يرونها مربوبة لله سبحانه والله ربها كما يلوح إليه قوله تعالى حكاية عن فرعون: " يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى " المؤمن: 37، فإن ظاهره أنه كان يرى أن الذي يدعو إليه موسى - وهو الله تعالى - إله السماء وبالجملة السماوات وما فيهن ومن فيهن من الملائكة عندهم مربوبون لله سبحانه ثم الملائكة أرباب لما دون السماوات.
وأما الصابئون ومن يحذو حذوهم فإنهم - كما سمعت - يرون للسماوات وما فيهن من النجوم والكواكب آلهة وأربابا من دون الله وهم الملائكة والجن وهم يرون الملائكة والجن موجودات مجردة عن المادة طاهرة عن لوث الطبيعة، وحينما يعدونهم، ساكنين في السماوات فإنما يريدون باطن هذا العالم وهو العالم السماوي العلوي الذي فيه تتقدر الأمور ومنه ينزل القضاء وبه تستمد الأسباب الطبيعية، وهو بما فيه من الملائكة وغيرهم مربوب لله سبحانه وإن كان من فيه آلهة للعالم الحسي وأربابا لمن فيه والله رب الأرباب.
إذا تمهدت هذه المقدمة فنقول: إن كان وجه الكلام في الآية الكريمة إلى مشركي العرب كما هو الظاهر، كان السؤال عن رب السماوات السبع والجواب عنه باعترافهم أنه الله في محله كما عرفت.
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست