تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٧٣
بعد ما بين ما سيستقبلهم من أحوال الموت ثم اللبث في البرزخ ثم البعث بما فيه من الحساب والجزاء وبخهم على حسبانهم أنهم لا يبعثون فإن فيه جرأة على الله بنسبة العبث إليه ثم أشار إلى برهان العبث.
فقوله: " أفحسبتم " الخ، معناه فإذا كان الامر على ما أخبرناكم من تحسركم عند معاينة الموت ثم اللبث في القبور ثم البعث فالحساب والجزاء فهل تظنون إنما خلقناكم عبثا تحيون وتموتون من غير غاية باقية في خلقكم وأنكم إلينا لا ترجعون؟
وقوله: " فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم " إشارة إلى برهان يثبت البعث ويدفع قولهم بالنفي، في صورة التنزيه، فإنه تعالى وصف نفسه في كلمة التنزيه بالأوصاف الأربعة: أنه ملك وأنه حق وأنه لا إله إلا هو وأنه رب العرش الكريم.
فله أن يحكم بما شاء من بدء وعود وحياة وموت ورزق نافذا حكمه ماضيا أمره لملكه، وما يصدر عنه من حكم فإنه لا يكون إلا حقا فإنه حق ولا يصدر عن الحق بما هو حق إلا حق دون أن يكون عبثا باطلا ثم لما أمكن أن يتصور أن معه مصدر حكم آخر يحكم بما يبطل به حكمه وصفه بأنه لا إله - أي لا معبود - إلا هو، والاله معبود لربوبيته فإذا لا إله غيره فهو رب العرش الكريم - عرش العالم - الذي هو مجتمع أزمة الأمور ومنه يصدر الاحكام والأوامر الجارية فيه.
فتلخص أنه هو الذي يصدر عنه كل حكم ويوجد منه كل شئ ولا يحكم إلا بحق ولا يفعل إلا حقا فللأشياء رجوع إليه وبقاء به وإلا لكانت عبثا باطلة ولا عبث في الخلق ولا باطل في الصنع.
والدليل على اتصافه بالأوصاف الأربعة كونه تعالى هو الله الموجود لذاته الموجد لغيره.
قوله تعالى: " ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون "، المراد من دعاء إله آخر مع الله دعاؤه مع وجوده تعالى لا دعاؤه تعالى ودعاء إله آخر معا فإن المشركين جلهم أو كلهم لا يدعون الله تعالى وإنما يدعون ما أثبتوه من الشركاء، ويمكن أن يكون المراد بالدعاء الاثبات فإن إثبات إله آخر لا ينفك عن دعائه.
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»
الفهرست