ومرادهم أن يعملوا صالحا بعد ما تابوا بالاعتراف المذكور فيكونوا بذلك ممن تاب وعمل صالحا.
قوله تعالى: " قالوا اخسئوا فيها ولا تكلمون " قال الراغب: خسات الكلب فخسأ أي زجرته مستهينا به فانزجر وذلك إذا قلت له: اخسأ انتهى. ففي الكلام استعارة بالكناية، المراد زجرهم بالتباعد وقطع الكلام.
قوله تعالى: " إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين " هؤلاء هم المؤمنون في الدنيا وكان إيمانهم توبة ورجوعا إلى الله كما سماه الله في كلامه توبة، وكان سؤالهم شمول الرحمة - وهي الرحمة الخاصة بالمؤمنين البتة سؤالا منهم أن يوفقهم للسعادة فيعملوا صالحا فيدخلوا الجنة، وقد توسلوا إليه باسمه خير الراحمين.
فكان ما قاله المؤمنون في الدنيا معناه التوبة وسؤال الفوز بالسعادة وذلك عين ما قاله هؤلاء مما معناه التوبة وسؤال الفوز بالسعادة وإنما الفرق بينهما من حيث الموقف.
قوله تعالى: " فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون ضمائر الخطاب للكفار وضمائر الغيبة للمؤمنين، والسياق يشهد أن المراد من " ذكرى " قول المؤمنين: " ربنا آمنا فاغفر لنا و ارحمنا " الخ، وهو معنى قول الكفار في النار.
وقوله: " حتى أنسوكم ذكري " أي أنسى اشتغالكم بسخرية المؤمنين والضحك منهم ذكري، ففي نسبة الانساء إلى المؤمنين دون سخريتهم إشارة إلى أنه لم يكن للمؤمنين عندهم شأن من الشؤون إلا أن يتخذوهم سخريا.
قوله تعالى: " إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون " المراد باليوم يوم الجزاء، ومتعلق الصبر معلوم من السياق محذوف للايجاز أي صبروا على ذكري مع سخريتكم منهم لأجله، وقوله: " أنهم هم الفائزون " مسوق للحصر أي هم الفائزون دونكم.
وهذه الآيات الأربع " قال اخسئوا - إلى قوله - هم الفائزون " إيآس قطعي للكفار من الفوز بسبب ما تعلقوا به من الاعتراف بالذنب وسؤال الرجوع إلى الدنيا ومحصلها أن اقنطوا مما تطلبونه بهذا القول وهو الاعتراف والسؤال فإنه عمل إنما كان ينفع في دار العمل وهي الدنيا، وقد كان المؤمنون من عبادي يتخذونه وسيلة إلى