وقوله: " إذا لذهب كل إله بما خلق " حجة على نفي التعدد ببيان محذوره إذ لا يتصور تعدد الآلهة إلا ببينونتها بوجه من الوجوه بحيث لا تتحد في معنى ألوهيتها وربوبيتها، ومعنى ربوبية الآله في شطر من الكون ونوع من أنواعه تفويض التدبير فيه إليه بحيث يستقل في أمره من غير أن يحتاج فيه إلى شئ غير نفسه حتى إلى من فوض إليه الامر، ومن البين أيضا أن المتباينين لا يترشح منهما إلا أمر أن متباينان.
ولازم ذلك أن يستقل كل من الآلهة بما يرجع إليه من نوع التدبير وتنقطع رابطة الاتحاد والاتصال بين أنواع التدابير الجارية في العالم كالنظام الجاري في العالم الانساني عن الأنظمة الجارية في أنواع الحيوان والنبات والبر والبحر والسهل والجبل والأرض والسماء وغيرها وكل منها عن كل منها، وفيه فساد السماوات والأرض وما فيهن، ووحدة النظام الكوني والتئام أجزائه واتصال التدبير الجاري فيه يكذبه.
وهذا هو المراد بقوله: " إذا لذهب كل إله بما خلق " أي انفصل بعض الآلهة عن بعض بما يترشح منه من التدبير.
وقوله: " ولعلا بعضهم على بعض " محذور آخر لازم لتعدد الآلهة تتألف منه حجة أخرى على النفي، بيانه أن التدابير الجارية في الكون مختلفة منها التدابير العرضية كالتدبيرين الجاريين في البر والبحر والتدبيرين الجاريين في الماء والنار، ومنها التدابير الطولية التي تنقسم إلى تدبير عام كلي حاكم وتدبير خاص جزئي محكوم كتدبير العالم الأرضي وتدبير النبات الذي فيه، وكتدبير العالم السماوي وتدبير كوكب من الكواكب التي في السماء، وكتدبير العالم المادي برمته وتدبير نوع من الأنواع المادية.
فبعض التدبير وهو التدبير العام الكلي يعلو بعضا بمعنى أنه بحيث لو أنقطع عنه ما دونه بطل ما دونه لتقومه بما فوقه، كما أنه لو لم يكن هناك عالم أرضي أو التدبير الذي يجري فيه بالعموم لم يكن عالم إنساني ولا التدبير الذي يجري فيه بالخصوص.
ولازم ذلك أن يكون الاله الذي يرجع إليه نوع عال من التدبير عاليا بالنسبة إلى الاله الذي فوض إليه من التدبير ما هو دونه وأخص منه وأخس واستعلاء الاله على الاله محال.
لا لان الاستعلاء المذكور يستلزم كون الاله مغلوبا لغيره أو ناقصا في قدرته