تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٦٠
فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ " يس: 83، فملكوت كل شئ هو كونه عن أمره تعالى بكلمة كن وبعبارة أخرى وجوده عن إيجاده تعالى.
فكون ملكوت كل شئ بيده كناية استعارية عن اختصاص إيجاد كل ما يصدق عليه الشئ به تعالى كما قال: " الله خالق كل شئ " الزمر: 62، فملكه تعالى محيط بكل شئ ونفوذ أمره ومضي حكمه ثابت على كل شئ.
ولما كان من الممكن أن يتوهم أن عموم الملك ونفوذ الأمر لا ينافي إخلال بعض ما أوجده من الأسباب والعلل بأمره فيفعل ببعض خلقه ما لا يريده أو يمنعه عما يريده تمم قوله: " بيده ملكوت كل شئ " بقوله: " وهو يجير ولا يجار عليه " وهو في الحقيقة توضيح لاختصاص الملك بأنه بتمام معنى الكلمة فليس لشئ شئ من الملك في عرض ملكه ولو بالمنع والاخلال والاعتراض فله الملك وله الحكم.
وقوله: " وهو يجير ولا يجار عليه " من الجوار، وهو في أصله قرب المسكن ثم جعلوا للجوار حقا وهو حماية الجار لجاره عمن يقصده بسوء لكرامة الجار على الجار بقرب الدار واشتق منه الافعال يقال: استجاره فأجاره أي سأله الحماية فحماه أي منع عنه من يقصده بسوء.
وهذا جاري جميع أفعاله تعالى فما من شئ يخصه الله بعطية حدوثا أو بقاء إلا وهو يحفظه على ما يريد وبمقدار ما يريد من غير أن يمنعه مانع إذ منع المانع - لو فرض - إنما هو بإذن منه ومشية فليس منعا له تعالى بل منعا منه وتحديدا لفعل منه بفعل آخر، وما من سبب من الأسباب يفعل فعلا إلا وله تعالى أن يتصرف فيه بما لا يريده لأنه تعالى هو الذي ملكه الفعل بمشيته فله أن يمنعه منه أو من بعضه.
فالمراد بقوله: " وهو يجير ولا يجار عليه " أنه يمنع السوء عمن قصد به ولا يمنعه شئ إذا أراد شيئا بسوء عما أراد.
ومعنى الآية قل لهؤلاء المنكرين للبعث: من الذي يختص به إيجاد كل شئ بما له من الخواص والآثار وهو يحمي من استجار به ولا يحمي عنه شئ إذا أراد شيئا بسوء؟ إن كنتم تعلمون.
قوله تعالى: " سيقولون لله قل فأني تسحرون " قيل: إن المراد بالسحر أن يخيل الشئ للانسان على خلاف ما هو عليه فهو من الاستعارة أو الكناية.
(٦٠)
مفاتيح البحث: المنع (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»
الفهرست