والمعنى: سيجيبونك أن الملكوت لله قل لهم تبكيتا وتوبيخا: فإلى متى يخيل لكم الحق باطلا فإذا كان الملك المطلق لله سبحانه فله أن يوجد النشأة الآخرة ويعيد الأموات للحساب والجزاء بأمر يأمره وهو قوله: " كن ".
وأعلم أن الاحتجاجات الثلاثة كما تثبت إمكان البعث كذلك تثبت توحده تعالى في الربوبية فإن الملك الحقيقي لا يتخلف عن جواز التصرفات، والمالك المتصرف هو الرب.
قوله تعالى: " بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون " إضراب عن النفي المفهوم من الحجج التي أقيمت في الآيات السابقة، والمعنى فإذا كانت الحجج المبنية تدل على البعث وهم معترفون بصحتها فليس ما وعدهم رسلنا باطلا بل جئناهم بلسان الرسل بالحق وإنهم لكاذبون في دعواهم كذبهم ونفيهم للبعث.
قوله تعالى: " ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض " الخ، القول بالولد كان شائعا بين الوثنيين يعدون الملائكة أو بعضهم وبعض الجن وبعض القديسين من البشر أولاد الله سبحانه وتبعهم النصاري في قولهم المسيح ابن الله، وهذا النوع من الولادة والبنوة مبني على اشتمال الابن على شئ من حقيقة اللاهوت وجوهره وانفصاله منه بنوع من الاشتقاق فيكون المسمى بالابن إلها مولودا من إله.
وأما البنوة الادعائية بالتبني وهو أخذ ولد الغير ابنا لتشريف أو لغرض آخر فلا يوجب اشتمال الابن على شئ من حقيقة الأب كقول اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه، وليس الولد بهذا المعنى مرادا لان الكلام مسوق لنفي تعدد الآلهة، ولا يستلزم هذا النوع من البنوة ألوهية وإن كان التسمي والتسمية بها ممنوعا.
فالمراد باتخاذ الولد إيجاد شئ بنحو التبعض والاشتقاق يكون مشتملا بنحو على شئ من حقيقة الموجد لا تسمية شئ موجودا بنا وولدا لغرض من الأغراض كما ذكره بعضهم.
والولد - كما عرفت - أخص مصداقا عندهم من الاله فإن بعض آلهتهم ليس بولد عندهم فقوله: " ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله " ترق من نفي الأخص إلى نفي الأعم ولفظة " من " في الجملتين زائدة للتأكيد.