تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٤٩
ثم إن الذين كفروا لما كانوا كارهين للحق كما ذكره فهم عادلون عن الصراط أي الصراط المستقيم مائلون إلى غيره.
وإنما أورد من أوصافهم عدم إيمانهم بالآخرة واقتصر عليه لان دين الحق مبني على أساس أن للانسان حياة خالدة لا تبطل بالموت وله فيها سعادة يجب أن تقتنى بالاعتقاد الحق والعمل الصالح وشقاوة يجب أن تجتنب، وهؤلاء لنفيهم الحياة الآخرة يعدلون عن الحق والصراط المستقيم.
وبتقرير آخر: دين الحق مجموع تكاليف اعتقادية وعمية والتكليف لا يتم إلا بحساب وجزاء، وقد عين لذلك يوم القيامة، وإذ لا يؤمن هؤلاء بالآخرة لغى الدين عندهم فلا يرون من الحياة إلا الحياة الدنيا المادية ولا يبقي من السعادة عندهم إلا نيل اللذائذ المادية وهو التمتع بالبطن فما دونه، ولازم ذلك أن يكون المتبع عندهم الهوى وأفق الحق أو خالفه.
فمحصل الآيتين أنهم ليسوا بمؤمنين بك لأنك تدعو إلى صراط مستقيم وهم لا هم لهم إلا العدول والميل عنه.
قوله تعالى: " ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر " إلى قوله " وما يتضرعون " اللجاج التمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه، والعمه التردد في الامر من التحير، ذكرهما الراغب، وفي المجمع: الاستكانة الخضوع وهو استفعل من الكون، والمعنى ما طلبوا الكون على صفة الخضوع. انتهى.
وقوله: " ولو رحمناهم " بيان وتأييد لنكوبهم عن الصراط بأنا لو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر لم يرجعوا بمقابلة ذلك الشكر بل أصروا على تمردهم عن الحق وتمادوا يترددون في طغيانهم فلا ينفعهم رحمة بكشف الضر كما لا ينفعهم تخويف بعذاب ونقمة فإنا قد أخذناهم بالعذاب فما خضعوا لربهم وما يتضرعون إليه فهؤلاء لا ينفعهم ولا يركبهم صراط الحق لا رحمة بكشف الضر ولا نقمة وتخويف بالأخذ بالعذاب.
والمراد بالعذاب العذاب الخفيف الذي لا ينقطع به الانسان عن عامة الأسباب بقرينة ما في الآية التالية فلا يرد أن الرجوع إلى الله تعالى عند الاضطرار والانقطاع
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست