تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢١٤
ومنها: أن في القرآن ناسخا ومنسوخا ولا يتيسر الجمع بينهما لمكان المضادة والمنافاة، وفيه ما هو جواب لمسائل سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها، وفيه ما هو إنكار لبعض ما كان، وفيه ما هو حكاية لبعض ما جرى، وفيه ما فيه إخبار عما سيأتي في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالاخبار عن فتح مكة ودخول المسجد الحرام، والاخبار عن غلبة الروم على الفرس إلى غير ذلك من الفوائد فاقتضت الحكمة تنزيله متفرقا.
وهذه وجوه ضعيفة لا تقتضي امتناع النزول جملة واحدة:
أما الوجه الأول: فكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أميا لا يقرأ ولا يكتب لا يمنع النزول جملة واحدة، وقد كان معه من يكتبه ويحفظه. على أن الله سبحانه وعده أن يعصمه من النسيان ويحفظ الذكر النازل عليه كما قال: " سنقرئك فلا تنسى " الاعلى: 6، وقال: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " الحجر: 9، وقال: " إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " حم السجدة: 42، وقدرته تعالى على حفظ كتابه مع نزوله دفعة أو تدريجا سواء.
وأما الوجه الثاني: فكما أن الكلام المفرق يقارنه أحوال تقتضي في نظمه أمورا أن اشتمل عليها الكلام كان بليغا وإلا فلا، كذلك الكلام الجملي وإن كان كتابا يقارنه بحسب فصوله وأجزائه أحوال لها اقتضاءات أن طابقها كان بليغا وإلا فلا فالبلاغة غير موقوفة على غير الكتاب النازل دفعة و الكلام المجموع جملة واحدة.
وأما الوجه الثالث فالنسخ ليس إبطالا للحكم السابق وإنما هو بيان انتهاء أمده فمن الممكن الجمع بين الحكمين المنسوخ و الناسخ بالإشارة إلى أن الحكم الأول محدود موقت إن اقتضت المصلحة ذلك.
ومن الممكن أيضا أن يقدم بيان المسائل التي سيسألون عنها حتى لا يحتاجوا فيها إلى سؤال ولو سألوا عن شئ منها أرجعوا إلى سابق البيان، وكذا من الممكن أن يقدم ذكر ما هو إنكار لما كان أو حكاية لما جرى أو إخبار عن بعض المغيبات فشئ من ذلك لا يمتنع تقديمه كما هو ظاهر.
على أن تفريق النزول لبعض هذه الحكم والمصالح من تثبيت الفؤاد فليست هذه الوجوه المذكورة وجوها على حدتها.
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»
الفهرست