تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٢٢٩
نذيرا لأهل القرى فلا تطع الكافرين لان طاعتهم تبطل هذا الناموس العام المضروب للهداية. وابذل مبلغ جهدك ووسعك في تبليغ رسالتك وإتمام حجتك بالقرآن المشتمل على الدعوة الحقة وجاهدهم به مجاهدة كبيرة.
قوله تعالى: " وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا " المرج الخلط ومنه أمر مريج أي مختلط، والعذب من الماء ما طاب طعمه، والفرات منه ما كثر عذوبته، والملح هو الماء المتغير طعمه.
والاجاج شديد الملوحة، والبرزخ هو الحد الحاجز بين شيئين، وحجرا محجورا أي حراما محرما أن يختلط أحد الماءين بالآخر.
وقوله: " وجعل بينهما " الخ قرينة على أن المراد بمرج البحرين إرسال الماءين متقارنين لا الخلط بمعنى ضرب الاجزاء بعضها ببعض.
والكلام معطوف على ما عطف عليه قوله: " وهو الذي أرسل الرياح " الخ، وفيه تنظير لأمر الرسالة من حيث تأديتها إلى تمييز المؤمن من الكافر مع كون الفريقين يعيشان على أرض واحدة مختلطين وهما مع ذلك غير متمازجين كما تقدمت الإشارة إليه في أول الآيات التسع.
قوله تعالى: " وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا " الصهر على ما نقل عن الخليل الختن وأهل بيت المرأة فالنسب هو التحرم من جهة الرجل والصهر هو التحرم من جهة المرأة - كما قيل - ويؤيده المقابلة بين النسب والصهر.
وقد قيل: إن كلا من النسب والصهر بتقدير مضاف والتقدير فجعله ذا نسب وصهر، والضمير للبشر، والمراد بالماء النطفة، وربما احتمل أن يكون المراد به مطلق الماء الذي خلق الله منه الأشياء الحية كما قال: " وجعلنا من الماء كل شئ حي " الأنبياء: 30.
والمعنى: وهو الذي خلق من النطفة - وهي ماء واحد - بشرا فقسمه قسمين ذا نسب وذا صهر يعني الرجل والمرأة وهذا تنظير آخر يفيد ما تفيده الآية السابقة أن لله سبحانه أن يحفظ الكثرة في عين الوحدة والتفرق في عين الاتحاد وهكذا يحفظ
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»
الفهرست