الرسل فلهم أن يعترضوا على عامة الرسل كما وجهه سابقوهم قد حكى الله عنهم ذلك قال: " قالوا أبشر يهدوننا " التغابن: 6، وقال: " قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا " إبراهيم: 10، وقال: " ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون " المؤمنون: 33. قلنا: الجواب مطابق للاعتراض فإن قولهم: " ما لهذا الرسول يأكل " الخ، يعطي الخصوصية بلا إشكال وأما تعميم الاعتراض لو عمم فيدفعه قوله تعالى: " بل كذبوا بالساعة " الخ، وقوله قبل ذلك: " قل أنزل الذي يعلم السر " الخ، على ما تقدم من التقرير.
ومن عجيب القول ما عن بعض المفسرين أن الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كأنه قيل:
إن الرسل من قبلك كانوا على الحال التي أنت عليها فلك فيهم أسوة حسنة، وأما كونه جوابا عن تعنتهم فالنظم لا يساعد عليه إذ قد أجيب عنه بقوله: " انظر كيف ضربوا لك الأمثال " هذا وهو خطأ.
وقوله تعالى: " وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون " متمم للجواب السابق بمنزلة التعليل لكون الرسل كسائر الناس في الخواص البشرية من غير أن تتميز حياتهم أو دعوتهم بخواص سماوية ورث القطع بكونهم حاملين للرسالة الإلهية كإنزال ملك عليهم أو القاء كنز إليهم أو خلق جنة لهم فكأنه قيل: والسبب في كون الرسل جارين في حياتهم على ما يجري عليه الناس أنا جعلنا بعض الناس لبعض فتنة يمتحنون بها فالرسل فتنة لسائر الناس يمتحنون بهم فيتميز بهم أهل الريب من أهل الايمان والمتبعون للأهواء الذين لا يصبرون على مر الحق من طلاب الحق الصابرين في طاعة الله وسلوك سبيله.
وبما مر يتبين أولا: أن المراد بالصبر هو الصبر بأقسامه وهي الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصيته، والصبر عند المصائب.
وثانيا: أن قوله: " وجعلنا بعضكم لبعض فتنة " من وضع الحكم العام موضع الخاص، والمطلوب الإشارة إلى جعل الرسل - وحالهم هذه الحال - فتنة لسائر الناس.
وقوله تعالى: " وكان ربك بصيرا " أي عالما بالصواب في الأمور فيضع كل أمر