قوله تعالى: " وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " المراد بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقرينة ذكر القرآن، وعبر عنه بالرسول تسجيلا لرسالته وإرغاما لأولئك القادحين في رسالته وكتابه والهجر بالفتح فالسكون الترك.
وظاهر السياق أن قوله: " وقال الرسول " الخ معطوف على " يعض الظالم " والقول مما يقوله الرسول يوم القيامة لربه على طريق البث والشكوى، وعلى هذا فالتعبير بالماضي بعناية تحقق الوقوع، والمراد بالقوم عامة العرب بل عامة الأمة باعتبار كفرتهم وعصاتهم.
وأما كونه استئنافا أو عطفا على قوله: " وقال الذين لا يرجون لقاءنا " وكون ما وقع بينهما اعتراضا فبعيد من السياق، وعليه فلفظة قال على ظاهر معناها والمراد بالقوم هم القادحون في رسالته الطاعنون في كتابه.
ونظيره في الضعف قول بعضهم: إن المهجور من الهجر بمعنى: الهذيان وهو ظاهر.
قوله تعالى: " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا " أي كما جعلنا هؤلاء المجرمين عدوا لك كذلك جعلنا لكل نبي عدوا منهم أي هذه من سنتنا الجارية في الأنبياء وأممهم فلا يسوءنك ما تلقى من عداوتهم ولا يشقن عليك ذلك، ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومعنى: جعل العدو من المجرمين أن الله جازاهم على معاصيهم بالختم على قلوبهم فعاندوا الحق وأبغضوا الداعي إليه وهو النبي فلعداوتهم نسبة إليه تعالى بالمجازاة.
وقوله: " وكفى بربك هاديا ونصيرا "، معناه - على ما يعطيه السياق - لا يهولنك أمر عنادهم وعداوتهم ولا تخافنهم على اهتداء الناس ونفوذ دينك فيهم وبينهم فحسبك ربك كفى به هاديا يهدي من استحق من الناس الهداية واستعد له وإن كفر هؤلاء وعتوا فليس اهتداء الناس منوطا باهتدائهم وكفى به نصيرا ينصرك وينصر دينك الذي بعثك به وإن هجره هؤلاء ولم ينصروك ولا دينك فالجملة مسوقة لاظهار الاستغناء عنهم.
فظهر أن صدر الآية مسوق لتسلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذيله للاستغناء عن المجرمين من