تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٩١
وقوله: " ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء " أي ما صح وما استقام لنا أن نتجاوزك إلى غيرك فنتخذ من دونك من أولياء وهم الذين عبدونا واتخذونا أولياء من دونك، وقوله: " ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا " البور جمع بائر وهو الهالك وقيل: الفاسد.
لما نفى المعبودون المسؤولون عن سبب ضلال عبادهم نسبة الاضلال إلى أنفسهم أخذوا في نسبته إلى الكفار أنفسهم مع بيان السبب الذي أضلهم وهو أنهم كانوا قوما هالكين أو فاسدين وقد متعتهم وآباؤهم من أمتعة الحياة الدنيا ونعمها حتى طال عليهم التمتيع امتحانا وابتلاء فتمتعوا منها واشتغلوا بها حتى نسوا الذكر الذي جاءت به الرسل فعدلوا عن التوحيد إلى الشرك.
فكونهم قوما هالكين أو فاسدين بسبب انكبابهم على الدنيا وانهماكهم في الشهوات هو السبب في استغراقهم في التمتع وانصراف هممهم إلى الاشتغال بالأسباب وهو السبب لنسيانهم الذكر والعدول عن التوحيد إلى الشرك.
فتبين بذلك أن قوله: " وكانوا قوما بورا " من تمام الجواب وأما من جعل الجملة اعتراضا تذييليا مقررا لمضمون ما قبله واستفاد منه أن السبب الأصلي في ضلالهم أنهم كانوا بحسب ذواتهم أشقياء هالكين، وليس ذلك إلا بقضاء حتم منه تعالى في سابق علمه فهو المضل لهم حقيقة، وإنما نسب إلى أنفسهم أدبا.
ففيه أولا: إنه إفساد لمعنى الآية إذ لا موجب حينئذ لا يراد الاستدراك بقوله:
" ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر " لكونه فضلا لا حاجة إليه.
وثانيا: أن نسبة البوار والشقاء إلى ذوات الأشياء ينافي ما أطبق عليه العقلاء بفطرتهم من تأثير التعليم والتربية، والحس والتجربة يؤيدان ذلك، وهو يناقض القول بالاختيار والجبر معا، أما مناقضة القول بالاختيار فظاهر، و أما مناقضة القول بالجبر فلان الجبري يقصر العلية في الواجب تعالى وينفيه عن غيره ويناقضه نسبة الاقتضاء الضروري إلى ذوات الأشياء وماهياتها.
وثالثا: أن فيه خلطا في معنى القضاء من حيث متعلقه فكون القضاء حتما لا يوجب خروج الفعل الذي تعلق به من الاختيار إلى الاجبار فإن القضاء إنما تعلق
(١٩١)
مفاتيح البحث: الضلال (2)، السب (4)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست