بالفعل بحدوده وهو صدوره عن اختيار الفاعل من حيث إنه صادر عن اختياره فتعلقه يوجب تأكد كونه اختياريا لا أنه يزيل عنه وصف الاختيار.
ورابعا: أن قولهم: إن المضل بالحقيقة هو الله وإنما نسبوا الضلال إلى الكفار أنفسهم تأدبا وبمثله صرحوا في نسبة المعاصي والأعمال القبيحة الشنيعة والفجائع الفظيعة إلى فواعلها أنها في عين أنها من أفعاله تعالى إنما تنسب إلى غيره تأدبا كلام متهافت فإن الأدب - كما تقدم تفصيل القول فيه في الجزء السادس من الكتاب - هو الهيئة الحسنة التي ينبغي أن يقع عليها فعل ما، وبعبارة أخرى ظرافة الفعل، وإذ كان الحق الصريح في الفعل غير الجميل أنه فعل الله سبحانه ولا يشاركه في فعله غيره بأي وجه فرض كانت نسبته إلى غيره تعالى نسبة باطلة غير حق وكذبا وفرية لا تطابق الواقع فليت شعري أي أدب جميل في إماطة حق صريح وإحياء باطل؟ وأي ظرافة ولطف في الكذب والفرية بإسناد الفعل إلى غير فاعله؟
والله سبحانه أجل من أن يعظم بباطل أو بالستر على بعض أفعاله أو بالكذب والفرية بإسناد بعض ما يفعله إلى غيره، وإذ كان جميلا لا يفعل إلا الجميل فما معنى التأدب بنفي بعض أفعاله عنه؟
قوله تعالى: " فقد كذبوكم بما تقولون فلا تستطيعون صرفا ولا نصرا " إلى آخر الآية، كلام له تعالى يلقيه إلى المشركين بعد براءة المعبودين منهم، وأما كلام المعبودين فقد تم في قوله: " وكانوا قوما بورا ".
والمعنى: فقد كذبكم المعبودون بما تقولون في حقهم إنهم آلهة من دون الله يصرفون عن عبدتهم السوء وينصرونهم، وإذ كذبوكم ونفوا عن أنفسهم الألوهية والولاية فلا تستطيعون أنتم أيها العبدة أن تصرفوا عن أنفسكم العذاب بسبب عبادتهم، ولا تستطيعون نصرا لأنفسكم بسببهم.
والترديد بين الصرف والنصر كأنه باعتبار استقلال المعبودين في دفع العذاب عنهم وهو الصرف. وعدم استقلالهم بأن يكونوا جزء السبب وهو النصر.
وقرأ غير عاصم من طريق حفص " يستطيعون " بالياء المثناة من تحت وهي قراءة حسنة ملائمة لمقتضى السياق، والمعني: فقد كذبكم المعبودون بما تقولون إنهم