تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٨٩
مسؤلا " الإشارة إلى السعير بما له من الوصف، أمر نبيه ص أن يسألهم أيهما أرجح السعير أم جنة الخلد؟ والسؤال سؤال في أمر بديهي لا يتوقف في جوابه عاقل وهو دائر في المناظرة والمخاصمة يردد الخصم بين أمرين أحدهما بديهي الصحة والآخر بديهي البطلان فيكلف ان يختار أحدهما فإن اختار الحق فقد اعترف بما كان ينكره، وان اختار الباطل افتضح.
وقوله: " أم جنة الخلد " إضافة الجنة إلى الخلد وهو الدوام للدلالة على كونها في نفسها خالدة لا تفنى كما أن قوله بعد: " خالدين " للدلالة على أن أهلها خالدون فيها لا سبيل للفناء إليهم.
وقوله: " وعد المتقون " تقديره وعدها المتقون لان وعد يتعدى لمفعولين والمتقون مفعول ثان ناب مناب الفاعل.
وقوله: " كانت لهم جزاء ومصيرا " أي جزاء لتقواهم ومنقلبا ينقلبون إليه بما هم متقون كما قال تعالى: " إن المتقين في جنات وعيون إلى أن قال - وما هم منها بمخرجين " الحجر: 48: وهو من الأقضية التي قضاها يوم خلق آدم وأمر الملائكة وإبليس بالسجود له، ويتعين به جزاء المتقين ومصيرهم كما تقدم في تفسير سورة الحجر.
وقوله: " لهم فيها ما يشاؤن خالدين " أي انهم يملكون فيها بتمليك من الله لهم كل ما تتعلق به مشيتهم، ولا تتعلق مشيتهم إلا بما يحبونه ويشتهونه على خلاف أهل النار كما قال تعالى فيهم: " وحيل بينهم وبين ما يشتهون " سبأ: 54، ولا يحبون ولا يشتهون إلا ما من شأنه أن يتعلق به الحب واقعا وهو الذي يحبه الله لهم وهو ما يستحقونه من الخير والسعادة مما يستكملون به ولا يستضرون به لا هم ولا غيرهم فافهم ذلك.
وبهذا البيان يظهر أن لهم اطلاق المشية يعطون ما شاؤوا وأرادوا غير أنهم لا يشاؤن الا ما فيه رضى ربهم، ويندفع به ما استشكل على الآيات الناطقة بإطلاق المشية كهذه الآية أن لازم اطلاق المشية أن يجوز لهم أن يريدوا بعض المعاصي والقبائح والشنائع واللغو، وأن يريدوا بعض ما يسوء سائر أهل الجنة، وأن يريدوا نجاة بعض المخلدين في النار، وأن يريدوا مقامات الأنبياء والمخلصين من الأولياء ممن هم فوقهم درجة إلى غير ذلك.
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»
الفهرست