تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٩٨
ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين " الحجر: 8 وسيجئ تقريره وفي الآيات إشارة إلى ما بعد الموت ويوم القيامة.
قوله تعالى: " وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا " قال في مجمع البيان: الرجاء ترقب الخير الذي يقوى في النفس وقوعه ومثله الطمع والأمل، واللقاء المصير إلى الشئ من غير حائل، والعتو الخروج إلى أفحش الظلم. انتهى.
المراد باللقاء الرجوع إلى الله يوم القيامة سمي به لبروزهم إليه تعالى بحيث لا يبقي في البين حائل جهل أو غفلة لظهور العظمة الإلهية كما قال تعالى: " ويعلمون أن الله هو الحق المبين ".
فالمراد بعدم رجائهم اللقاء انكارهم للمعاد وتكذيبهم بالساعة ولم يعبر عنه بتكذيب الساعة ونحوه كما عبر في الآيات السابقة المكان ذكرهم مشاهدة الملائكة ورؤية الرب تعالى وتقدس ففيه إشارة إلى أنهم إنما قالوا ما قالوا وطلبوا إنزال الملائكة أو رؤية الرب ليأسهم من اللقاء وزعمهم استحالة ذلك فقد الزموا بما هو مستحيل على زعمهم.
فقولهم: " لولا أنزل إلينا الملائكة أو نرى ربنا " إعتراض منهم على رسالة الرسول أوردوه في صورة التحضيض كقولهم في موضع آخر: " لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين " الحجر: 7، وتقرير الحجة كما تقدمت الإشارة إليه أنه لو كانت الرسالة - وهي نزول الملائكة بالوحي أو تكليمه تعالى البشر بالمشافهة - مما يتيسر للبشر نيله ونحن بشر أمثال هذا المدعي للرسالة فما بالنا لا ينزل علينا الملائكة ولا نرى ربنا؟ فهلا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا.
ويؤيد ما ذكرناه من التقرير إطلاق إنزال الملائكة ورؤية الرب من غير أن يقولوا: لولا أنزل علينا الملائكة فيصدقوك أو نرى ربنا فيصدقك. على أنهم ذكروا في اعتراضهم السابق نزول الملك ليكون معه نذيرا وفيه تصديقه.
وفي التعبير عنه تعالى بلفظ ربنا نوع تهكم منهم فإن المشركين ما كانوا يرونه تعالى ربا لهم بل كان عندهم أن أربابهم ما كانوا يعبدونهم والله سبحانه رب الأرباب
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»
الفهرست