تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٨٦
وفيه تلويح إلى أنهم لا يستحقون جوابا ولا يصلحون لان يخاطبوا لانهم على علم بفساد ما اقترحوا به عليه فالنبي ص لم يذكر لهم إلا أنه بشر مثلهم يوحى إليه، ولم يدع أن له قدره غيبية وسلطنة إلهية على كل ما يريد أو يراد منه، كما قال تعالى بعد ما حكى بعض اقتراحاتهم في سورة الإسراء، " قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا " أسرى: 93.
فأعرض سبحانه عن مخاطبتهم وعن الجواب عما اقترحوه، وانما ذكر لنبيه ص أن ربه الذي اتخذه رسولا وأنزل عليه الفرقان ليكون للعالمين نذيرا قادر على أعظم مما يقترحونه فإن شاء جعل له خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار، ويجعل له قصورا لا يبلغ وصفها واصف وذلك خير من أن يكون له جنة يأكل منها أو يلقى إليه كنز ليصرفه في حوائجه.
وبهذا المقدار يتحصل جوابهم فيما اقترحوه من الكنز والجنة، وأما نزول الملك إليه ليشاركه في الانذار ويعينه على التبليغ فلم يذكر جواب عنه لظهور بطلانه، وقد أجاب تعالى عنه في مواضع من كلامه بأجوبة مختلفة كقوله: " ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون " الانعام: 9، وقوله: " قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا " أسرى: 95، وقوله:
" ما ننزل الملائكة الا بالحق وما كانوا إذا منظرين " الحجر: 8، وقد تقدم تقرير حجة كل من الآيات في ضمن تفسيرها.
ومن هنا يظهر أن المراد بجعل الجنات والقصور له ص جعله في الدنيا على ما يقتضيه مقام المخاصمة ورد قولهم فإن المحصل من السياق أنهم يقترحون عليك كيت وكيت وهم يريدون تعجيزك وتبكيتك وإن ربك قادر على أعظم من ذلك فإن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار " الخ " وهي لا محالة في الدنيا وإلا لم ينقطع به الخصام.
وبذلك يتبين فساد ما نقل عن بعضهم أن المراد جنات الآخرة وقصورها وأفسد منه قول آخرين ان المراد جعل جنات تجري من تحتها الأنهار في الدنيا وجعل القصور في الآخرة، وربما استونس لذلك بأن التعبير في الجنات بقوله: " ان شاء جعل " وهو
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست