صيغة ماض مفيدة للتحقق مناسبة للدنيا، وفي القصور بقوله: " يجعل " وهو صيغة مستقبل مناسبة للآخرة هذا مع أن الفعل الواقع في حيز الشرط منسلخ عن الزمان، والاختلاف في التعبير تفنن فيه وتجديد لصورة الكلام والله العالم.
قوله تعالى: " بل كذبوا بالساعة واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا "، اضراب عن طعنهم فيه ص واعتراضهم عليه بأكل الطعام والمشي في الأسواق بما يتضمن معنى التكذيب أي ما كذبوك وردوا نبوتك لأنك تأكل الطعام وتمشي في الأسواق فإنما هو كلام منهم صوري بل السبب الأصلي في إنكارهم نبوتك وطعنهم فيك أنهم كذبوا بالساعة وأنكروا المعاد، ومن المعلوم أن لا وقع للنبوة مع إنكار الساعة ولا معنى للدين والشريعة لولا المحاسبة والمجازاة.
فالإشارة إلى السبب الأصلي بعد ذكر الاعتراض والاقتراح والجواب ههنا نظير ما وقع في سورة الإسراء بعد ذكر الاقتراحات ثم الجواب من ذكر السبب الأصلي في قوله: " قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا وما منع الناس أن يؤمنوا إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ".
وذكر جمع من المفسرين أن قوله: " بل كذبوا بالساعة " حكاية لبعض آخر من أباطيلهم كما حكى بعضا آخر منها متعلقا بالتوحيد والكتاب والرسالة في قوله:
" واتخذوا من دونه آلهة " وقوله: " وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك " الخ، وقوله: " وقالوا ما لهذا الرسول يأكل " الخ.
ثم تشعبوا في نكتة الاضراب، فذكر بعضهم أن الوجه فيه كون المعاد لا ريب فيه، وقال بعضهم: إن إنكاره أعظم، وقال بعضهم: إنه أعجب إلى غير ذلك.
والحق أن السياق لا يساعد عليه فإن السياق المتعرض لطعنهم في الرسول ص والجواب عنه لم يتم بعد بشهادة قوله بعد: " وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق " الخ، وما يتلوه من الآيات فلا معنى لاعتراض حكاية تكذيبهم بالساعة بين الآيات الحاكية لتكذيبهم بالرسول والمجيبة عنه، وهو ظاهر.
وقوله تعالى: " وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا " وضع الموصول والصلة مكان