وقوله تعالى: " وخلق كل شئ فقدره تقديرا " بيان لرجوع تدبير عامة الأمور إليه تعالى وحده بالخلق والتقدير فهو رب العالمين لا رب سواه.
بيان ذلك أن الخلقة لما كانت بتوسيط الأسباب المتقدمة على الشئ والمقارنة له استلزم ذلك ارتباط وجودات الأشياء بعضها ببعض فيتقدر وجود كل شئ وآثار وجوده حسب ما تقدره العلل والعوامل المتقدمة عليه والمقارنة له فالحوادث الجارية في العالم على النظام المشهود مختلطة بالخلقة تابعة للعلل والعوامل المتقدمة والمقارنة وإذ لا خالق غير الله سبحانه فلا مدبر للامر غيره فلا رب يملك الأشياء ويدبر أمرها غيره.
فكونه تعالى له ملك السماوات والأرض حاكما متصرفا فيها على الاطلاق يستلزم قيام الخلقة به إذ لو قامت بغيره كان الملك لذلك الغير، وقيام الخلقة به يستلزم قيام التقدير به، لكون التقدير متفرعا على الخلقة، وقيام التقدير به يستلزم قيام التدبير به فله الملك والتدبير فهو الرب عز شأنه.
وملكه تعالى للسماوات والأرض وإن استلزم استناد الخلق والتقدير إليه لكن لما كان الوثنيون مع تسليمهم عموم ملكه يرون أن ملكه للجميع وربوبيته للكل لا ينافي ملك الهتهم وربوبيتهم للبعض بتفويضه تعالى ذلك إليهم فكل من الآلهة مليك في صقع الوهيته رب لمربوبيته والله سبحانه ملك الملوك ورب الأرباب وإله الآلهة.
فلذلك لم يكف قوله: " الذي له ملك السماوات والأرض " لاثبات اختصاص الربوبية به تعالى قبالهم بل احتج إلى الاتيان بقوله: " وخلق كل شئ فقدره تقديرا ".
فكان قائلا يقول: هب أن ملكه للسماوات والأرض يغنيه عن اتخاذ الولد والشريك الموجب لسلب ملكه عن بعض الأشياء لكن لم لا يجوز أن يتخذ بعض خلقه شريكا لنفسه بتفويض بعض أمور العالم إليه مع كونه مالكا له ولما فوضه إليه وهذا هو الذي كانت تراه المشركون فقد كانوا يقولون في تلبية الحج: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك.
فأجيب عنه بأن الخلق له سبحانه والتقدير يلازمه وإذا اجتمع ألزمهما التدبير فله سبحانه تدبير كل شئ فليس مع ملكه ملك ولا مع ربوبيته ربوبية.
فقد تحصل أن قوله: " الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن