تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٨٢
بقراءة شئ بعد شئ عليه، وهو يقرؤها على الناس وينسبها إلى الله سبحانه.
فالآية بتمامها من كلام الذين كفروا، وربما قيل: إن قوله: " اكتتبها فهي تملى عليه " إلى آخر الآية من كلام الله سبحانه لا من تمام كلامهم، وهو استفهام إنكاري لقولهم: أساطير الأولين، والسياق لا يساعد عليه.
قوله تعالى: " قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما " أمر للنبي ص برد قولهم وتكذيبهم فيما رموا به القرآن أنه إفك مفترى وأنه أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه وقتا بعد وقت.
وتوصيفه تعالى بأنه يعلم السر أي خفيات الأمور وبواطنها في السماوات والأرض للايذان بأن هذا الكتاب الذي أنزله منطو على أسرار مطوية عن عقول البشر، وفيه تعريض بمجازاتهم على جناياتهم التي منها رميهم القرآن بأنه إفك مفترى وأنه من الأساطير وهو مما يعلمه تعالى.
وقوله: " إنه كان غفورا رحيما " تعليل لما هو المشاهد من إمهالهم وتأخير عقوبتهم على جناياتهم وتكذيبهم للحق وجرأتهم على الله سبحانه.
والمعنى: قل إن القرآن ليس إفكا مفترى ولا من الأساطير كما يقولون بل كتاب منزل من عند الله سبحانه ضمنه أسرار خفية لا تصل إلى كنهها عقولكم ولا تحيط بها أحلامكم، ورميكم إياه بالإفك والأساطير وتكذيبكم لحقائقه جناية عظيمة تستحقون بها العقوبة غير أن الله سبحانه أمهلكم وأخر عقوبة جنايتكم لأنه متصف بالمغفرة والرحمة وذلك يستتبع تأخير العذاب، هذا ملخص ما ذكروه في معنى الآية.
وفيه أن السياق لا يساعد عليه فإن محصل معنى الآية على ما فسروه يرجع إلى رد دعوى الكفار كون القرآن إفكا مفترى ومن الأساطير بدعوى أنه منزل من عند الله منطو على أسرار خفية لا سبيل لهم إلى الوقوف عليها لا مساغ في مقام المخاصمة لرد الدعوى بدعوى أخرى مثلها أو هي أخفى منها.
على أن التعليل بقوله: " إنه كان غفورا رحيما " إنما يناسب انتفاء العقوبة من أصلها دون الامهال والتأخير وإنما المناسب للامهال و التأخير من الأسماء هو مثل الحليم والعليم والحكيم دون الغفور الرحيم.
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»
الفهرست